إلا من مخالفة أمْرِ ربك، تَلين الأحجارُ، ولا تلين القلوبُ! وأعظم من ذلك
عدمُ الانكسار والخشوع! لو تُليت هذه الآيات على الجماد لانَ، كما قال تعالى: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) .
فلا حيلةَ لنا يا رب إلا إلقاء نفوسنا بين يديك، والتفويض لما أردْتَ بنا، وإلاّ الصبر لنا على عذابك، وكيف يصبر الجسم الضعيف على العذاب
المقيم، فصبِّرْنا إنْ قضيتَ علينا، واجعلنا كالإسرائيلي الذي عبدك سبعمائة سنة، فأوحيت إلى نبيء ذلك الزمان: قلْ لعَبْدي فلان تعبَّدْ ما شئْتَ، فأنْتَ من أهل النار.
فلما بلغه وَحْيك قال: مرحباً بحُكم ربي! ثم قال: إلهي، عَبَدْتك، وأنا لا
أظنُّ أني لا أزِنُ عندك قليلاً ولا كثيرا، فإذا أنا أصْلح لنارِك، وعزَّتك ما
زادني هذا إلا حُبًّا وتلهّفا فيك، فأوحى الله إلى دانيال عليه السلام: قل لعَبْدي المستحق لِوَلاَئِي بالصبر والرضا: رضيت عني بأصعب حكم وقضاء، وعِزَّتي وجلالي لو ملأتْ ذنوبك الأرضَ والسماء لغفرتها لك، ولا أبالي.
وأنت تعلم كربتي وذِلَّتي وشدةَ محنتي بذنوب اقترفْتها وعظائم ارتكبتها، وأنتَ تعلمُ أنه ليس لي مَنْ يتفقَّدني عند الموقف بين يديك غير رحمتك الواسعة التي أخْبرتنا بها، فقيِّضْ لي مَنْ يشفع عندك، أقسم عليك بجاهِ نبيِّك الكريم، واسمك العظيم، وعمْدَتنا على لسان نبيك أنه أعدَّ شفاعته لكبائر أمته، فأذَنْ له فينا، ولا تخَيِّبنا من فَضْلك العظيم وإحسانك العميم، وأسألك أنْ تصلِّي على نبيك الكريم، وتَرْضَى عن أصحابه ذوي الفضل والتكريم.
(يَسْتَفْتِحون) :
يستنصرون على المشركين إذا قاتلوهم.
فَالسًينُ على هذا للطلب، يعني أنهم كانوا يقولون: اللهم انْصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان، ويقولون لأعدائهم من المشركين: قد أظلّ زمانُ نبئ يخرج نقاتِلكم معه قَتْلَ عادٍ وإرم.
وقيل يستفتحون أي يعرفون الناس بالنبي - صلى الله عليه وسلم.
فالسين على هذا للمبالغة، كالسين في استعجب واستسخر، وعلى كلِّ قول
فبغْضهم واجب وقَتْلهم جائز لجحدهم ما عرفوا في كتبهم، ولذلك قال الله
فيهم: (فَلعْنَة الله على الكافرين) .