قلت: أحسن من هذا نسخ قيام الليل في أول سورة المزمل بآخرها، أو بإيجاب الصلوات الخمس، وذلك بمكة اتفاقاً.
[تنبيه]
قال ابن الحصّار: إنما يرجع في النسخ إلى نقل صريح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو عن صحابي يقول: آيةُ كذا نسخت كذا.
وقال: قد يحكم به عند وجود التعارض المقطوع به مع علم التأويل، ليعلم
المتقدم والمتأخر.
قال: ولا يعتمد في النسخ قول عوام المفسرين، بل ولا اجتهاد المجتهدين من
غير نقل صريح ولا معارضة بينة، لأن النسخ يتضمن رفع حكم وإثبات حكم تقرر في عهده - صلى الله عليه وسلم -، فالمعتمد فيه النقل والتاريخ دون الرأي والاجتهاد.
قال: والناس في هذا بين طرفي نقيض، فمن قائل: لا يقْبَلُ في النسخ أخبار
آحاد العدول، ومن متساهل يكتفي فيه بقول مفسر أو مجتهد.
والصواب خلاف قولهما.
الضرب الثالث: ما نسخ تلاوته دون حكمه.
وقد أورد بعضهم فيه سؤالاً.
وهو: ما الحكمة في رفع التلاوة مع بقاء الحكم، وهلاّ أبقيت التلاوة ليجتمع
العمل بحكمها وثواب تلاوتها؟.
وأجاب صاحب الفنون بأن ذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في
المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال لطلب طريق مقطوع
به، فيسرعون بأيسر شيء، كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام، والنائم أدنى طريق الوحي.
وأمثلة هذا الضرب كثيرة، قال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن
أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لا يقولَنَّ أحدكم قد أخذت القرآن كله