رب العالمين، ورحماناً ورحيما، ومالكا ليوم الدين - تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن، حقيق بأن يكون معبوداً دون غيره، مستعاناً به، فخُوطب بذلك لتميزه بالصفات المذكورة، تعظيما لشأنه، حتى كأنه قيل: إياك يا مَنْ هذه صفاته نَخُص بالعبادة والاستعانة، لا غيرك.
قيل: ومن لطائفه التنبيه على أن مبتدأ الخلق الغيبةُ منهم عنه سبحانه.
وقصوركم عن محاضرته ومخاطبته، وقيامُ حجاب العظمة عليهم، فإذا عرفوه بما هو له وتوسّلوا للقرب بالثناء عليه، وأقرّوا بالمحامد له، وتعبَّدوا له بما يليق بهم
- تأهلوا لمخاطبته ومناجاته، فقالوا: إياكَ نعبدُ وإياك نستعين.
[تنبيهات]
الأول: شرط الالتفات أن يكون الضمير في المنتقَل إليه عائداً في نفس
الأمر إلى المنْتَقل عنه، وإلا يلزم عليه أن يكون في: أنت صديقي - التفات.
الثاني: شرطه أن يكون في جملتين، صرح به صاحب الكشاف وغيره.
الثالث: ذكر التنوخي في الأقصى القريب، وابن الأثير وغيرهما، نوعاً غريباً
من الالتفات، وهو بناء الفعل للمفعول بعد خطاب فاعله أو تكلمه، كقوله: (غير المغضوب عليهم) بعد (أنعمتَ) ، فإن المعني غير الذين غضبتَ عليهم.
وتوقّف فيه صاحب عروس الأفراح.
الرابع: قال ابن أبي الإصبع: جاء في القرآن من الالتفات قسم غريب جدّاً لم
أظفر في الشعر بمثاله، وهو أن يقدم المتكلم في كلامه مذكورين مرتين، ثم يخبر عن الأول منهما، وينصرف عن الإخبار عنه إلى الإخبار عن الثاني، ثم يعود إلى الإخبار عن الأول، كقوله: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) .
انصرف عن الإخبار عن الإنسان إلى الإخبار عن ربه تعالى، ثم قال منصرفاً عن الإخبار عن ربه إلى الإخبار عن نفسه: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) .