(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا) ... إلى قوله: (بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَ) .
ثم التفت ثانياً إلى الغيبة فقال: (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) .
وعلى قراءة الحسن ليريه - بالغيبة يكون التفاتاً ثانياً من (باركنا) .
وفي آياتنا التفات ثالث، وفي إنه التفات رابع.
قال الزمخشري: فائدته في هذه الآيات وأمثالها التنبيه على التخصيص بالقدرة، وأنه لا يدخل تحت قدرة أحد.
ومثاله من الغيبة إلى الخطاب: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (٨٩) .
(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) .
(وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (٢١) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً) .
(إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) .
ومن محاسنه ما وقع في سورة الفاتحة، فإنَّ العَبْدَ إذا ذكر الله تعالى وحْدَه، ثم
ذكر صفاته التي كلُّ صفة منها تبعث على شدة الإقبال، وآخرها: (مالكِ يوْم الدين) ، المفيد أنه مالك للأمر كله في يوم الجزاء - يجد من نفسه حاملاً لا يقدر على دَفعه على خطاب مَنْ هذه صفاته بتخصيصه بغاية الخضوع والاستعانة في المهمات.
وقيل: إنما اختير لفظُ الغيبة للحمد، وللعبادة الخطاب، للإشارة إلى أن
الحمد دون العبادة في الرتبة، لأنك تحمد نظيرك ولا تعبده، فاستعمل لفظ الحمد مع الغيبة ولفظ العبادة مع الخطاب، لينسبَ إلى العظيم حالَ المخاطبة والمواجهة ما هو أعلى رتبة، وذلك على طريق التأدب.
وعلى نحوٍ من ذلك جاء آخر السورة.
فقال: (الذين أنعمْتَ عليهم) ، مصرِّحاً بذكر المنْعِم وإسناد الإنعام إليه لفظاً، ولم يقل صراط المنعم عليهم.
فلما صار إلى ذكر الغضب زوى عنه لفظه، فلم ينسبه إليه لفظاً، وجاء باللفظ منحرفاً عن ذكر الغاضب، فلم يقل: غير الذين
غضبت عليهم، تأدباً عن نسبة الغضب إليه في اللفظ حال المواجهة.
وقيل: إنه لما ذكر الحَقيق بالحمد، وأجرى عليه الصفات العظيمة من كونه