(رَبّنا وأَدْخلهم جنَّاتِ عَدْن التي وعَدْتَهمْ) .
فإن في ذلك إسجالاً بالإيتاء والإدخال، حيث وصِفا بالوعد من الله الذي لا يخْلِف وَعْدَه.
ومنها الانتقال، وهو أن ينتقل المستدلّ إلى استدلال غير الذي كان آخذاً
فيه، لكَوْن الخصم لم يفهم وَجْهَ الدلالة من الأول، كما جاء في مناظرة الخليل الجبار لما قال له: (رَبِّي الذي يُحْيى ويميت) ، فقال الجبار:
أنا أحيي وأميت، ثم دعا بمَنْ وجب عليه القَتْل فأعتقه، ومن لا يجب عليه القتل فقتله، فعلم الخليل أنه لم يفهم معنى الإحياء والإماتة، أو علم بذلك وغالط بهذا الفعل، فانتقل عليه السلام إلى استدلال لا يجد له الجبار وجهاً يتخلص به منه، فقال: (إنّ اللَهَ يَأتي بالشَّمْسِ من الْمَشْرِق فأتِ بها من المغرب) .
فانقطع الجبار وبهِت، ولم يمكنه أن يقول: أنا الآتي بها من المشرق، لأن
من هو أسنّ منه يكذبه.
ومنها المناقضة، وهي تعليق أمر على مستحيل إشارة إلى استحالة وقوعه.
كقوله تعالى: (وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) .
ومنها مجاراة الخصم ليَعثُرَ، بأن يسلم بعض مقدماته حيث يراد تبكيته
وإلزامه، كقوله تعالى: (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا) .
فقوله: (إن نحن إلا بَشر مثلكم) فيه اعتراف الرسل بكونهم مقصورين على البشرية، فكأنهم سلموا انتفاءَ الرسالة عنهم، وليس مراداً، بل هو من مجاراة الخصم ليعثر، فكأنهم قالوا: ما ادّعيتم مِن كوننا
بَشَراً حقّ لا ننكره، ولكن هذا لا ينافي أن يَمُنَّ الله علينا بالرسالة.
*******
الوجه الحادي والثلاثون من وجوه إعجازه (ضَرْب الأمثَالِ فيهِ ظاهرة ومضْمَرة)
وقد أفرده بالتصنيف الإمام أبو الحسن الماوردي رحمه الله تعالى.
قال تعالى: (ولقد صَرَّفْنَا للناس في هذا القرآن مِنْ كلِّ مثَلٍ) .
وقال: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (٤٣) .