ويحتمل أن يكون جرى له ذلك بعد بلوغه وتكليفه، وأنه قال ذلك لقومه
على وجه الرد عليهم والتوبيخ لهم، وهذا أرجح، لقوله بعد ذلك:(إني بريءٌ مما تشْرِكون) .
ولا يتصور أن يقول ذلك وهو منفرد في الغار، لأن ذلك يقتضي محاجَّة وردًّا على قومه، وذلك أنهم كانوا يعبدون
الأصنام والشمس والقمر والكواكب، فأراد أن يبين لهم الخطأ في دينهم.
ويرْشِدهم إلى أن هذه الأشياء لا يصح أن يكون واحد منها إلهاً لقيام الدليل
على حدوثها، وأن الذي أحدثها ودبر طلوعها وغرونها وأفولها وانتقالها هو
الواحد المنفرد.
فإن قلت: لم احتجَّ بالأفول دون الطلوع، وكلاهما دليل على الحدوث لأنهما انتقال من حال إلى حال؟
قلت: الأفول أظهر في الدلالة، لأنه انتقال مع خفاء واحتجاب.
(بَيْنكم) :، وَصْلكم.
ومن قرأه بالرفع أسند الفعل إلى الطرْف، واستعمله استعمال الأسماء، أو يكون البين بمعنى الفرْقَة، أو بمعنى الوصل، لأنه من الأضداد.
ومن قرأه بالنصب فالفاعل مصدر الفعل، أو محذوف تقديره تقطّع الاتصال بينكم.
(بَصَائر) ، جمع تصِيرة، وهي نور القلب، والبَصر نور العين، وهذا الكلام على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوله:(وما أنا عليكم بحَفِيظ) .
(بَوَّأكمْ) : أنزلكم، والضمير لقوم صالح، وكانت
أرضهم بين الحجاز والشام، وقد دخلها - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فقال لهم: لا تدخلوا على هؤلاء المعذّبين إلا وأنتم باكون مخافةَ أن يصيبكم مثل الذي أصابهم.