فالفتْنة بمعنى الفتنة والتعذيب.
وهذا أظهر، لقوله: (ثم لم يتوبوا) ، لأن أصحاب الأخدود لم يتوبوا، بل ماتوا على كفرهم.
وأما قريش فمنهم مَنْ أسلم وتاب.
وفي الآية دليلٌ على أنَ الكافر إذا أسلم يُغفر له ما فعل في
حال كفْره، للحديث: الإسلام يَجبُّ ما قَبله.
واختلف هل يكتب له ما فعل من الخير؟
الصحيح أنه يكتب له، للحديث:
" أسلمت على ما أسْلفت من الخير:.
وقد ألَّف بعضُهم فيه تأليفاً مفيداً.
(فلْيَنْظر الإنسان ممَّ خلق) :
حذف ألف ما لأنها استفهامية، وجوابها: (خُلِقَ من ماءٍ دافق) ، واستَفْهَم هنا عن ابتداءِ الخِلْقة ليعلم الإنسان مَنْ هو، وسن أي شيء خلق، كي لا يتكبر، وكيف يتكبر مَنْ خلق من ماء نجس غمس في دم نجس، ولذلك قال بعضهم: ما يصنَع بالكبْر مَنْ خلق من نطفة مَذِرة وآخره جِيفة قَذِرة، وهو فما بينها حامل عَذِرَة!
(فما له من قوَّةٍ ولا ناصر) :
قد قدمنا أنَّ الضمير للإنسان، وفيها التنبيه له على الرجوع إلى خالقه وناصره، ولا يلتفت إلى غيره مِن والد وزوج وأخٍ وولد، إذ كلّهم ينقطعون عنه، ولا يجدُ إلا مولاه الذي ينصره حيًّا وميتاً، يقول تعالى في بعض كتبه: " عبدي أحباؤك أربعة: حبيب يصلح لأولاك ولا يصلح لأخْراك، وهما الأبوان يخدمانك ويربيانك في صغرك، فإذا كبرا يكونان ضعيفين لا يقدران على أن يربّياك.
وحبيب يصلح في أخراك ولا يصلح لأولاك، وهم أولادك يخدمونك في آخر عمركَ.
وحبيب يصلح لظاهرك ولا يصلح لباطنك، وهم الأخلاء والأصدقاء.
وحبيب يصلح لباطنك ولا يصلح لظاهرك، وهنَّ أزواجك، فإذا أردتَ أن تحبَّ أحداً فإني أحبك أوَّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وأنصرك، في كل الأحوال، أتترك من يحبك في كل الأحوال وتحبُّ من لا يحبك على كلِّ حال.
(فَسَوَّى) :
حذف مفعول خَلَق فسوَّى، لقصد الإجمال الذي يفيد العموم.
والمراد خلق كل شيء فسوَّاه، أي أتقن خِلْقَته.