صفع يهوديّاَ في الحمام، فأعطاه اليهوديّ ديناراً مكيدةً منه للصبي، فدخل ذو هيئة فصفَعه الطفل ظانًّا أنه يأخذ منه أكثر، فقطعت يده.
فافْهَمْ يا محمدي ما تَحت الإمهال والإملاء من الأهوال، ولا تحسبن إمهاله إهمالا.
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ) :
تارة تبطل الدعوى ببيان بطلان مدلول دليلها، وأبطل عليهم بهذه مدلولهم السمعي.
وهو قوله: (أم بظَاهِرٍ مِنَ الْقَول) ، وهو قولهم: (ما نَعْبدهم إلاَّ ليقَرِّبونا إلى اللهِ زُلفَى) ، وقولهم: (هؤلاء شفعاؤنا عِنْدَ الله) .
فقيل لهم: هل بلغكم ذلك عن الله على ألسنة الرسل أم لا، وقد خلط الزمخشري في قوله: (شركاء) على عادته في خَلْط لفظ القرآن بكلامه.
وأما العقلي فبطلَ ببطلان مدلوله، وهو قوله: (قل سَمّوهم أم تنَبِّئونه بما لا
يَعْلم في الأرض) ، فهو غَيْرُ معلوم للَه، وكلُّ ما ليس بمعلوم لله فليس بموجود ولا معدوم إن قلنا إنَّ المعدوم الممكن معلوم، فدل على أنه محال.
فإن قلت: كيف قال: (قل سَمُّوهم) وهم سمّوهم، فقالوا: اللات
والعزَّى ومناة الثالثة الأخرى، وفي آية يونس: (قل أتنبِّئونَ اللهَ بما لا يعلم في
السماوات ولا في الأرض) .
وفي هذه السورة: (بما لا يعلم في الأرض) .
وفي سورة إبراهيم: (وما يخْفَى على الله من شيءً في الأرض ولا في
السماء) ؟
والجواب: ليس المراد مجرد التسمية، بلِ تعيينهم.
والمعنى أنه إنما يستحقُّ اسْمَ الإله مَنِ اتّصفَ بالاستغناء والكمال، وتنزه عن العجز والاحتياج، فعيِّنوا لنا شركاء متَّصفين بذلك، فإنهم لا يجدونهم.
وإنما خصَّ الأرض بالذكر لأنّها المشاهَدَة القريبة، وإلاّ فقد عبدوا الشِّعْرَى والعَبور، وعَبدوا الشمس إلى غير ذلك.
ونَفْى علم الشيء عن الله يستلزم عدمَ ذلك الشيء، وفيه دليل على أنَّ
العدم غير معلوم.
وفي المسألة ثلاثة مذاهب: مذهب الجمهور.
إلى أنه معلوم، وقيل إنه غير معلوم.
وقيل المستحيل غير معلوم، والممكن معلوم.