عند ذلك حتى وصف الذرية بالضعف، ثم ذكر استئصال الجنة التي ليس لهذا
المصاب غيرها بالهلاك في أسرع وقت، حيث قال: (فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ) .
ولم يقتصر على ذكره للعلم بانه لا يحصل به سرعةُ الهلاك، فقال:
(فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ) .
ثم لم يقف عند ذلك حتى أخبر باحتراقها، لاحتمال أن تكون النار ضعيفة لا تفي بإحراقها لما فيها من الأنهار ورطوبة الأشجار، فاحترس عن هذا الاحتمال بقوله: (فَاحْتَرَقَتْ) .
فهذا أحسنُ استقصاء وقع في كلام وأتمه وأكمله.
قال ابنُ أبي الإصبع: والفرقُ بين الاستقصاء والتتميم والتكميل أن التتميم يَرِدُ على المعنى الناقص ليتم.
والتكميل يرد على المعنى التام فيكمل أوصافه.
والاستقصاء يرِدُ على المعنى التام الكامل فيستقصي لوازمَه وعوارضه وأسبابه
وأوصافه حتى يستوعب جميع ما تقع الخواطر عليه فلا يبقى لأحد فيه مساغ.
[النوع العشرون: الاعتراض]
وسماه قُدامه التفاتاً، وهو الإتيان بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب أثناء
كلام أو كلامين اتصلا معنى لنكتة غير رَفْع الإيهام، كقوله: (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (٥٧) .
فقوله: (سبحانه) اعتراض لتنزيه الله عن البنات والشناعة على فاعليها.
وقوله تعالى: (لتدخلنَّ المسجدَ الحرامَ إنْ شاء اللهُ آمنين) .
فجملة الاستثناء اعتراض للتبرك.
ومن وقوعه بأكثر من جملة: (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) .
فقوله: (نِسَاؤُكُمْ) متصل بقوله: فأتوهن، لأنه بيان له، وما بينهما اعتراض
للحثّ على الطهارة وتجنب الأدبار.
وقوله: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤) .
فيه اعتراض بثلاث جمل، وهي (وَغِيضَ الْمَاءُ) ، (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) ، (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) .