قال ابن عطية: ومعنى هذا القول صحيح، ولم يبَيِّنه.
ووَجْههُ عندي أنَّ موسى عليه
السلام إنما رأى العَهْد في أن يسأل، ولم يرَ إنكار هذا الفعل شنِيعاً سؤالا، بل
رآه واجباً، فلما رأى الخضر قد أخذ العَهْدَ على أعمّ وجوهه فضمَنه السؤال
والإنكار والمعارضة، وكلٌّ اعتراض، إذ السؤال أخَفّ من هذه كلها - أخذ معه في باب المعاريض التي هي مندوحة عن الكذب، فقال له: (لا تؤاخذني بما نَسيت) ، ولم يقل إني نسيت العَهْد، بل قال لفْظاً يُعطى للمتأول أنه نسي العهد، ويستقيم أيضاً تأويلُه وطلَبه مع أنه لم ينسَ العهد، لأن قوله:
(لا تؤاخذني بما نسيت) -كلامٌ جيد -، وليس فيه للعهد ذِكْر، هل نسيه أم لا، وفيه تعريض أنه نسي العهد، فجمع في هذا اللفظ بين العُذْر والصدق، وما يخل بالقول.
(قال انفخُوا) :
يريد نَفْخَ الكير، أي أوقدوا النارَ على الحديد.
وروي أنه حفر الأساس حتى بلغ الماءَ، ثم جعل البنيان من زُبَر الحديد
حتى ملأ به بين الجبَلين، ثم أفرغ عليه قِطْراً: نحاساً مُذاباً.
وقيل هو الرصاص.
وهذا السدّ من عجائب الدنيا، إذ لا يقْدِر على هَدْمه أهْل الدنيا.
ولمّا فرغ من بنائه قال: هذا رحمةٌ من ربي.
ولما أُسْري به - صلى الله عليه وسلم - رآه وتعجّب من
صنعته، وقال رجل: يا رسول الله، رأيتُ سدَّ يأجوج ومأجوج.
فقال: كيف رأيتَه، قال: كالبُرْد المحبَّر، طريقة صفراء، وطريقة حمراء، وطريقة سوداء.
فقال - صلى الله عليه وسلم -: قد رأيته.
(قَبس) :
قد قدمنا أنه الجَذْوَة من النار تكون على رأس العود
أو القصبة ونحوها.
فإن قلت: ما معنى اختلاف هذه الألفاظ والتقديم والتأخير في مواضع من
السور؟
والجواب أنَّ ذلك يختلف باختلاف المَقْصد، والتناسب، ففي آية طه
، رؤية موسى النار وأمْره أهله بالمكث وإخباره إياهم أنه آنس نارا،