(يتَمَنَّوه أبداً) :
الضمير يعود على الموت، وذلك أنَّ الله أمرهم أن يتمنَّوا الموتَ إن كانوا صادقين في قولهم على وَجْه التعجيز والتبكيت.
لأنّ مَنْ علم أنه من أهل الجنة اشتاق إليها، ولو تمنَّوه لماتوا من ساعتهم، ولمَّا
علموا ذلك لم يتمنوه لذنوبهم، لأنهم أرادوا الحياةَ الدنيوية.
فإن قلت: لم عَبَّر في آية البقرة بـ (لن) بخلاف الجمعة؟
والجواب: أنه لما كان الشَّرط فيها مستقبلاً، وهو قوله تعالى:
(إنْ كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصةً) ، الآية -
جاء جوابه بـ (إن) التي تخلِّص الفعل للاستقبال.
ولما كان الشرط في الجمعة حالاً، وهو قوله: (إنْ زَعمْتم أنكم أولياءِ للَه) ، جاء جوابه بلا التي تدخل على الحال، وقد تدخل على المستقبل.
فإن قلت: ما النافية أخصّ بالحال فهي أنسب؟
قلت: قد يفهم من "ما" نَفْي مجرد الحال دون ما يتصل به، فقد يقول
القائل: ما يقوم زيد - يريد ما يقوم اليوم، ولا يريد أنه ما يقوم غداً، وما
صالحة لهذه المعنى، وهم إنما أرادوا أنهم أولياء مستمرون على ذلك، وأنَّ تلكَ صِفَتهم على الحال وما يليه إلى آخر حياتهم، إذ ذاك هو الموجب أن تكون لهم الدار الآخرة خالصةً من دون الناس كما زعموا، فلما كان زَعْمهم هذا ناسبه نَفْي دَعْوَاهم وتكذيب زعمهم بحرف نص في نفْي ذلك، وأنه لا يقع منهم التمني في حالهم ولا فيما بعده أبداً.
فإن قلت: إن قوله: (أبداً) قد أحرز هذا؟
قلت: تأكيد ذلك أبلغ، فنفى بـ لا وأكّد بالتوكيد.
فجاء على أعلى البلاغة.
(يَتْلُونَ الكِتابَ) .
أي يقرأونه، والضمير عائد على اليهود والنصارى، وهذا تقبيحٌ لقولهم وذَمِّهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولِمَا جاءَ به، مع تلاوتهم كتابهم.