[تنبيه:]
جميع الرسل جاءت بهذه الكلمة المشرفة دون سائر الطاعات، وأول مَنْ شهد
بها اللَّهُ وملائكته ثم الرسل، قال تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ) .
ثم أمرك بها في قوله: (فإن تَولَوْا فقولوا اشْهَدوا بأنَّا مسْلِمون) ، ولا يبقى في الجنة غيرها والقرآن، والحمد للَه، والحب للهِ، فعليك أيها الأخ بحفْظِها، ولا تدنِّسها بالمعاصي، وإن قُدِّرَتْ عليك فامْحها بتوبة، كالثوب تغسله كلما تدنس، وإن لم تتب وتوسخ فيوم زينة الحشر ما تلبس، وحَرّض عليها من أحببته أو تعلق بك.
فإن قلت: لأي شيء ذكر الشهادة على نفسه، مع أن الشهادة من النفس لا
تقبل؟
فالجواب أنَّ الله لما نجا نبيه محمداً بالرسالة، وأمرهم بتوحيد الله، فقال:
قولوا لا إله إلا الله تفْلحوا، فقالوا: مَنْ يشهد أنكَ رسول الله، قال لهم: أي شيء أكبر شهادة، فقالوا: الله أكبر شهادة، فأنزل الله الآية.
ومعناها شهد شهادةً فرضيَها، وأمر الخَلْقَ بها بعد شهادته لنفسه في أزَلِه.
ففيها رجاء لهذه الأمة، وذلك أنه مدح أهل الطاعة على اختلاف أحوالهم من
التائبين والعابدين، وغيرهم، يرَجّي من لم يكن له عَمَل غير الشهادة، وقال: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (١٠٧) .
إلى قوله: (لكلِمات رْبي) .
وهي شهادة أن لا إله إلا الله.
فإن قلت: لم ذكر النفي قبل الإثبات؟
والجواب: لإكمال المدحة، لأن قول الرجل: لا عالم في البلد إلا فلان أمدح
من قولك: فلان عالم في البلد.