فإذا أنفقْتَ مالكَ في طاعة الله تفَرغَّ قلبُك لعبادته، وترى حينئذ من لطف الله
بكَ حالاً لا يخطر ببالك.
(قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) :
وعدهم يعقوب بالاستغفار، لأنهم جاءوا متضَرَعين معترفين بما جنوه، كذلك أنْتَ يا عبد الله، إذا أذنبتَ وأتيتَ معترفاً لرسولك الذي أرسل إليك متضرعاً وجِلا، فإنه يستغفر لك، ويشفعُ فيك، لأن الله أمره بالاستغفار لك، وأذن له في الشفاعة فيك.
وكيف لا وهو أكرم الْخَلْق عليه! وقد وعدنا بذلك في قوله: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا) .
وإني قد مُنعت يا سيد الأولين والآخرين عن الإتيان إليكَ بذنوب جَنَيْتها على نفسي، فأنْتَ تعلم عُذْري، ولا حيلةَ لي غير التعلق بجاهك العظيم والصلاة عليك، صلى الله عليك وعلى آلك أفضل صلاة وأزكى تسليم.
فإن قلت: لِمَ وعدهم الله بالاستغفار ولم يستغفر في الحين؟
والجواب أنه وعدهم بالاستغفار للسَّحَر، لأنه وقت إجابة، والدعاء في وقت
الإجابة لا يُرَدُّ.
فأخذ العلماء من هذه الآية التعرض لنفحات رحمةِ الله، ومَنْ راقب يراقب، ومن غفل غُفِل عنه، وقالوا: الوعد مع العطاء أفضلُ من العطاء
بغير وعد، فجبر قلوبَهم بالوَعْدِ بالاستغفار، ثم استغفر لهم فكَمُلت الفَرْحَتان.
(قَصَصِهم) :
الضمير للرسل على الإطلاق.
أو ليوسف وإخوانه، والأول أعلم، لقوله تعالى: (وظَنّوا أنهم قد كُذِبوا) .، بتشديد الذال وتخفيفها.
وقد قدمنا معناها في حرف الكاف.
(قارعةٌ) :
يعني في أنفسهم وأولادهم، أو غزوات المسلمين إليهم، وانظر قوله تعالى: (حتى يأتي وَعْدُ الله) ما المراد به؟
وبهذا تمسك أهلُ الاعتزال، وقالوا بوجوب إنفاذ الوعيد، وهو مختَلَف فيه
عندنا، لكن الكلام القديم الأزَلي الذي هو صفةٌ ذاتيةٌ لله تعالى يستحيل فيه