فمن ادَّعى محبَّته تعالى وهو غَيْرُ ممتثل لأمْرِه فهو كذاب في دعواه، غير
مدرك ما يتمنّاه.
وهذه دعوى اليهود والنصارى وهم مخالفون في أَمره، فإياك
والتشبّه بهم، فالتشبّهُ بأهل الخير فلاح.
وإذا كان سبحانه يسأل الصادقين عن صِدقهم فكيف بمَنْ لم يعمل، وقد
قالوا: عمَل بلا إخلاص كحقيقةٍ بلا روح، فلا تكثروا العملَ بالبَهْرَج، غدير صاف أنفع من خليج كَدِر.
ما أشبه حجر الْمَهَا بالْجوهر، لكن بين الثمنين بَون بعِيد.
ربح المرائي منتن يَشِين القلوب الصافية.
(فافْرُقْ بيننا وبين القوم الفاسقين) :
هو من الفرقة.
وقيل من الفَصْل، أي افصل بَيْنَنا وبينهم بحكم.
(فإنّها مُحَرَّمة عليهم أربعين سنةً) :
قد قدمنا أنَّ الله حرَّم على بني إسرائيل الأرضَ المقدَّسة أربعين سنة، مدة عبادتهم العِجْل، حتى مات كلّ مَنْ قال: (إنا لنْ نَدْخلَها) ، ولم يدخلها أحَد من ذلك الجيل إلا يوشع وكالب، ومات هارون في التيه، ومات موسى بعده في التِّيه أيضاً.
وقيل إِن موسى وهارون لم يكونا في التّيه، لقوله: (فافْرُقْ بيننا وبين القوم الفاسقين) .
وخرج يوشع ببني إسرائيل بعد الأربعين سنة، وقاتلَ الجبَّارين، وفتح المدينةَ.
والعامل في أربعين محرّمة - على الأصح، فيجب وَصْله معه.
وقيل العامل فيه يتيهون، فعلى هذا يجوز الوقف على قوله: (مُحرَّمة عليهم) .
وهذا ضعيف، لأنه لا حامل على تقديم المعمول هنا، مع أنَّ القولَ الأول أكمل معنى، لأنه بيانٌ لمدة التحريم والتّيه معاً.
(فلا تأْسَ على الْقَوْمِ الفاسِقين) .
أي لا تَحْزَنْ على مَنْ فسق منهم يا محمد، لإنكارهم هذه القصص في كتابك، مع علمهم بها في كتبهم.
وقيل الخطاب لموسى.
(فكأنَّما قَتَلَ الناسَ جَمِيعاً) :
تمتيل قاتِلِ الواحدِ بقاتل الجمع يتصوَّر من ثلاث جهات:
إحداها: القِصاص في قَتْل الواحد والجمع سواء.