للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: استهزأوا بالبينات وبما جاءوا به من علم الوَحْي.

ويدل عليه قوله: (وحاق بهم ما كانُوا به يَسْتَهْزئون) ، جزاء جهلهم واستهزائهم.

وقيل: الضمير عائد على الأنبياء، وفي هذا التأويل حَذْفٌ، وتقديره: فَلمّا جاءتهم رسلُهم بالبينات كذّبوهم، ففرح الرسل بما عندهم من العلم والثقة به، وبأنه سينصرهم.

و (حاق) معناه نزل بهم وثبت، وهي مستعملة في الشرِّ.

و (ما) في قوله: (ما كانوا) هو العذاب الذي كانوا يكذِّبون به ويستهزئون بأمره.

والضمير في بهم عائد على الكفار بلا خلاف.

فإن قلت: ما معنى ترادف هذه الفاءات في هذه الآيات؟

قلت: أما قوله: (فما أغْنَى عنهم ما كانوا يكسبون) .

فهو نتيجة قوله (كانوا أكثر منهم) .

وأما قوله: (فلما جاءتهم رسلُهم بالبينات فرحوا) ، فجارٍ مَجْرَى البيان والتفسير لقوله تعالى: (فما أغْنَى عنهم) ، كقولك: رُزِق زيد المال فمنع

المعروف، فلم يُحسن إلى الفقراء.

وأما قوله: (فلما رَأوْا بَأسَنا قالوا آمَنَّا) ، فكذلك: (فلم يك ينفعهم إيمانُهم) ، تابع لإيمانهم لما رأوْا بَأس الله.

فحق لمن سمع هذه الموعظة أنْ يبادر إلى الطاعة، ولا يتأنَّى.

بلى، والله.

وقعت منا المخالفة وقتَلْنَا أنفسنا بالمعاصي بئس ما اخترنا!

كم وعظنا المشيب ولا قبلنا، علمنا أنَّ الدنيا ثلاثة أنفاس: نفَس مضى عملنا فيه ما عملنا، ونَفَس لا ندري أَنملكه أم لا، فليس لنا إلا النفس الذي نحن فيه.

حرصنا على درهم لا ندري لمن يبْقَى، ومزقنا ثوب المعاصي ولم نكفه بتوبة، فما أسرع الملتقى!

أليس هذا من العمى، إذا شغلنا بالدنيا خسرنا فكيف يكون حالُنا وقد شغلتنا المعاصي عن الإقبال عليه!

بئس ما استنفدنا زمانَ الصبا في المعاصي واللهو، ولم ننته في الكبر عن لَهْونا، ولو تُبْنَا لحقَّ لنا البكاء، فكيف وقد انهمكنا!

إذا تاب الشيخ

<<  <  ج: ص:  >  >>