أَبغضتك لمقَارَبتك لحمد، ففكّر في نفسه، وقال: أقول فيه قولاً يرضيهم.
فقال: أَقول في القرآن شعر، ما هو بشعر.
أقول كاهن، ما هو بكاهن.
أقول سحر، وإنه قول البشر غير منزل من عند الله.
(عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (٦) .
أي حيث شاؤُوا من منازلهم تفجيرا سهلا، لا يَصْعب عليهم.
وفي الأثر: إن في قصر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة عيناً تتفخر إلى قصور الأنبياء والمؤمنين على قَدْر اتَباعهم له.
وكيف لا وهو مَنْبَعُ الخير الدنيوي والأخروي، وجميع علومهم متفجرة مِن
علْمِه - صلى الله عليه وسلم -، وهل نال جميع الموجودات من الخيرات إلا مِنْ فَيْضَ جودِه، أو هل خلق اللَّهُ الجنةَ إلاَّ من أجله، فيعطيها مَنْ شاء مِنْ خَلْقه.
و (عَيْناً) في الآية بدلٌ من كافور، على القول بأن الخمر تمزج بالكافور.
وبدل من موضع (كأس) على القول الآخر، كأنه قال: يشربون خمرا خَمْر عين.
وقيل: هو مفعول بـ (يشربون) .
وقيل منصوب بإضمار فعل.
قال ابن عطية: الباء زائدة، والمعنى يشربها.
مهذا ضعيف، لأن الباء تزاد في مواضع ليس هذا محلّها، وإنما هي كقولك: شربت الماء بالعسل، لأن العين المذكورة يمزج بها الكأس من الخمر.
فلتتأَملْ أَيها الناظر إلى وصفهم بالعبودية وإضافتهم إلى الوصف العظيم.
تعرف بذلك عظيمَ منزلتهم، ويشهد لذلك تشريف نبينا - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (سبحان الذي أسرى بعبده) ، ولم يقل بنبيّه، لأن العبودية أشرف التحلية.
وإذا تأملْتَ وصف العبودية في القرآن لا تجِدها إلاَّ لمَنْ يتصف بالطاعة.
كقوله: (وعِبَاد الرَّحْمنِ الَّذِين يمْشون على الأرض هَوْناً) .
فما أحسنها من إضافة من محبٍّ لمحبوب، مرةً أضافهم إلى الاسم العظيم، ومرة إلى الرحمة، وأعظم من هذا أنه أضاف العاصي إلى نفسه، بقوله: (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) ، كي لا يقدر إبليس أن يسلبه منه