أحدهما أن الاستثناء منقطع.
والمعنى ما كتبنا على الذين اتّبعوا عيسى الرهبانية من الاعتزال عن الناس، ورَفْض النساء، وتَرْك الدنيا، ولكنهم فعلوها من تِلْقَاء أنفسهم ابتغاء رضوان الله.
والآخر أنَّ الاستثناء متصل: والمعنى كتبناها عليهم ابتغاء رضوان الله.
والأول أرجح، لقوله: ابتدعوها، ولقراءة عبد الله بن مسعود ما كتبناها
عليهم، لكن ابتدعوها.
والمعتزلة يعربون (رهبانية) مفعولاً بفعل مضمر يفسره ابتدعوها، لأن مذهبهم أنً الإنسانَ يخلق أفعاله، فأعربوها على مذهبهم الفاسد.
(ما رَعَوْهَا حقَّ رِعَايَتِها) ..
أي لم يدوموا عليها، ولم يحافظوا على الوفاء بها.
والضمير في (رعَوْها) للذين ابتدعوها لرهبانيةٍ، وكان
يجب عليهم إتمامها، وإن لم يكتبها الله عليهم، لأن من دخل في شيء من النوافل وجب عليه إتمامُه، ولهذا أشار - صلى الله عليه وسلم - بقوله لعبد الله بن عمر: إنك لا تطيق ذلك، أحب العمل إلى الله أدْوَمه وإن قل.
حتى قال: يا ليتني قبلت رخصة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وكان أحبَّ العمل إليه ما كان ديمةً.
(ما هُن أُمهاتِهم) :
ردّ الله بهذا على من كان يوقع الظهار ويعتقده حقيقة، وأخبر تعالى أنَّ تصيير الزوجة أُمًّا باطل، لأن الأم في الحقيقة الوالدة التي ولدت.
(ما يكون مِنْ نَجْوَى ثلاثةٍ إلا هو رَابِعُهم) المجادلة: ٧.
يحتمل أن تكون النجوى هنا بمعنى الكلام الخفي، فيكون ثلاثة مضافاً إليه، أو بمعنى الجماعة من الناس، فيكون ثلاثة بدلاً أو صفة، والأول أحسن.
(ما هم مِنْكُمْ ولا مِنْهُم) :
يعني أنَّ المنافقين ليسوا من المسلمين ولا من اليهود، فهو كقوله تعالى فيهم: (مُذَبْذَبين بين ذلك) .
وإذا عُوتبوا على سوء قولهم وأفعالهم حلفوا أنهم ما قالوا ولا فعلوا.
وقد صدر ذلك منهم مراراً كثيرة مذكورة في السير وغيرها.