للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنفسهم وأولادهم، ألم تسمع إلى قولهم - في غَزْوَة بدر لما استشارهم - صلى الله عليه وسلم - في القتال: نحن أسيافك القاطعة، ودروعك المانعة، إنْ خُضْتَ بحراً خضناه معك، وإن قاتلت ندفع عنك، ولسنا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهَبْ أنْتَ ورَبّك فقَاتِلا، ولكن نقول لك: اذهَبْ أنْتَ وربك فقاتلا إنَّا معكما مقاتلون.

فإن قلت: لِمَ قال: (انفضّوا إليها) - بضمير الفرد، وقد

ذكر التجارة واللهو؟

فالجواب من وجهين:

أحدهما: أنه أراد انفضّوا إلى اللهو وانفضوا إلى التجارة، ثم حذف أحدهما

لدلالة الآخر عليه، قاله الزمخشري.

والآخر: أنه قال ذلك تهمُّماً بالتجارة، إذ كانت أهَمَّ، وكانت هي سبب

اللهو، ولم يكن اللهو سببها، قاله ابن عطية.

فإن قلت: لم قدّم في هذه الآية اللهو على التجارة، وقدم التجارة قبل هذا

على اللهو؟

فالجواب أنَّ كلّ واحدٍ من الموضعين جاء على ما ينبغي فيه، وذلك أنَّ

العرب تارة يبدأون بالأكثر، ثم ينزلون إلى الأقل، كقولك: فلان يخون في

الكثير والقليل، فبدأت بالكثير، ثم أردفت عليه القليل، وهي دونه.

وتارة يبدأون بالأقل، ثم يرتَقُون إلى الأكثر، كقولك: فلان أمين على القليل والكثير، فبدأت بالقليل ثم أردفت عليه الكثير.

ولو عكس في كل واحد من المثالين لم يكن حسناً، فإنك لو قدمت في الخيانة ذكر القليل لعلم أنه يخون في الكثير من باب أحرى وأولى، ولو قدمت في الأمانة ذكر الكثير لعلم أنه أمين في القليل من باب أولى وأحرى، فلم يكن لذكره بعد ذلك فائدة، وكذلك قوله: (إذا رَأوْا تجارة أو لَهْوا انفضّوا إليها) - قدم التجارة هنا ليبيِّن أنهم ينفضّون إليها من باب

أولى، انفضاضهم إلى اللهو الذي هو دونها.

<<  <  ج: ص:  >  >>