بوَجْه، لكن يزيِّن لهم فقط، لأن التزيين هو تحسين القبائح، فالإغواءُ يستلزم
الفعل، والتزيين لا يستلزمه.
فإن قلت: ما الفرق بين قسمه في الأعراف بالإغواء.
وفي (ص) : قال: (فبعزَّتِكَ لأغْوِيَنّهم) ؟
فالجواب أنه أقسم بالأول في الفعل، وفي الثاني بالصفة.
قال بعضهم: فعادَتهم يقولون: هذا مناقِضٌ لأصل الزمخشري، لأنه ينفي الصفات جملة، يقول: إن اللَه سميع لا يسمع، بصير لا يبصر، عليم لا يعلم، مريد لا بإرادة، قادر لا بقدرة، بل سميع لذاته، بصير لذاته، عالم لذاته.
(فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) :
هذا تأكيد بعد تأكيد، يتضمن الآخر ما تضمَّن الأول.
وقال غيره: لو وقف على كلهم لصلحت
للاستثناء وصلحت على معنى المبالغة، مع أن يكون البعض لم يسجد، وهذا كما يقول القائل: كلّ الناس يعرف هذا، وهذا يزيد لأن المذكور أَمر مشتهر، فلما قال (أجمعون) رفع الاحتمال بأن بعضهم لم يسجد، واقتضى الكلام أن جميعهم سجد.
وقال المبرد: لو وقف على (كلُّهم) لاحتمل أن يكون سجودهم في مواطن
كثيرة، فلما قال (أجمعون) دل على أنهم سجدوا في موطن واحد.
قال ابن عطية: واعترض على قول المبرد بأنه جعل قوله (أجمعون) حالاً بمعنى
مجتمعين، ويلزمه على هذا أن يكون أَجمعين، هذا على أَن يقرب من التنكير، إذ هو معرفة لكونه يلزم اتباع المعارف، والقراءة بالرفع تَأبى قوله.
فإن قلت: ما فائدة إتيانه في الحِجر وفي (ص) بهذا اللفظ دون غيرهما؟
فالجواب أنه لما بالغ في السورتين في الأمر بالسّجُود - وهو قوله: (فقَعُوا له
ساجدين) في السورتين بالغ في الامتثال فيهما فقيل: (فسجد الملائكة كلهم
أجمعون) ، لتقع التوفقة بين أولاها وأخراهَا.