وروي أيضاً أن الفأر خرج من أنف الخنزير، وهذا كله ليس له مستند.
وروي أن إبليس لما دخل في السفينة طمع في إغواء أهلها، فشَكَا نوح إلى
اللَه، فأمره أن يحمل معه تابوت آدم في السفينة حتى ينظر إليه إبليس، فيذوب حسرة، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: الشدّ بالقَيْد أهوَن من النظر إلى الضد، وإذا كانت مشاهدة العدو تمنع الاشتغال بالنفس وتمنع عن الطعام والشراب، فكيف لا تذوب أنْتَ يا محمدي والمحبة في قلبك، كما ذاب إبليس حين نظر إلى عدوه.
لو صدقَتْ محبتُك في صحبة معبودك لمنعك مشاهدته عن الشهوات وطلبِ
الفضول والتلذذِ بالزلات، ولا يقدر إبليس على وَسوَستك وإغوائك في جميع
الأوقات، ألا ترى أنه لم يقدر على دخول السفينة إلا بإذن صاحبه، فكيف
يدخل قَلْبَك وفيه مولاك، أما سمعته يقول:(وإذا ذَكَرْتَ ربَّك في القرآن
وَحْدَه وَلَّوْا على أدبارهم نُفُورا) .
وفي الحديث: إن له صفتين: وسواس، وخَنّاس، فإذا خنس على ابن آدم وشَمّه ووجد فيه الغَفْلة وسوس، وإذا وجده متيقظًا خنس، فانظر بأيّ شيء تعمره، إن عمرته بذكره سبحانه والتفكرِ في عجائبه - طردَهُ عنك، ووصلْتَ إلى حضرته، ألا تراه سبحانه أمر نوحاً بحَمْله معه الحيوان الذي لا معرفةَ له، ولم يفرق بينه وبين محبوبه، فكيف يذيق عَبْدَه المؤمن أليمَ فُرْقته بعد طول خدمته، وقديم معرفته!
كأنه سبحانه يقول: يا نوح، احمل ما هو مفارِق لك، وهارب عنك، لتُرِيَ
الْخَلْقَ حُسْنَ خُلقك، فيستدلون بحسن خلقك على لطيف صُنعي، أنا لما ذَكَرني الموفون الملازمون ببابي، والخواصّ من عبادي - هديتُهم، وأنعمت عليهم، هذه معاملتي معهم في دار الْمِحْنة، فكيف معاملتي معهم في دار النعمة، إنك أدخلْتَ الخلائق في سفينتك ولكَ إليها حاجة، فأي عجب لو أدخلْتُ جميع العصاة في الجنة ولا حاجة لي فيها!
(فبُعْداً) :
مصدر وُضِع موضع الفعل، بمعنى بَعُدُوا، أي هلكوا، والعامل فيه مضمر لا يظهر.