غيرها بالعلم لكبره.
وقيل: إن الحليم إسماعيل، والعليم إسحاق.
وعن محمد بن كعب القرَظي قال: كان مجتهد بني إسرائيل إذا دعا قال: اللهم ربَّ إبراهيم وإسماعيل وإسرائيل.
فقال: يا رب، ما لمجتهد بني إسرائيل يدعو بهذا، وأنا بين
أظهرهم، قد أَسمعتني كلامك، واصطفيتني برسالتك.
قال: يا موسى، لم يحبّني أحدٌ حٌبَّ إبراهيمَ قط، ولا خيّر بين شيء قط وبيني إلا اختارني.
وأما إسماعيل فإنه جادَ بنفسه، وأما إسرائيل فإنه لم ييأس من روحي في شدةٍ نزلت به قط.
فإن قلت: لِمَ كان الأمر بالذبح هنا مناماً دون اليقظة؟
فالجواب: لتعْلَم أنَّ النبوءة اثنان: رسالة، ورؤيا منام، ولما كان إسماعيل
أحب إليه من كل شيء لم يرد اللهْ أن يواجه خليلَه بما فيه كراهية له، فأراه في المنام، كأنه استَحْيىَ منه، وهكذا عادته سبحانه مع أنبيائه وخيرته من خَلْقه، ألاَ ترى رؤيا يوسف سجود إخوته وأبويه، ورؤيا سيدنا ومولانا محمد - صلى الله عليه وسلم - دخول المسجد الحرام، وما سواهما، للدلالة على تقوية صِدْقهم، وإذا تظاهرت الحالتان على الصدق كان ذلك أقوى للدلالة من انفراد أحدهما.
فإن قلت: قد قال الله له: " قد صدَّقْتَ الرؤيا "، وإنما كان يصدقها لو صحّ منه الذَّبْح، ولم يصح؟
فالجواب أنه قد بذل وسْعه فيما أمر به من بطْحه على شقِّه، وإمرار الشَّفْرَة
على حَلْقه، ولكن الله منعها من القطع، ليعم أنَّ القطع لله لا للسكين، وهذا لا يقدح في فعل إبراهيم، فلا يسمى عاصياً ولا مفَرّطاً.
فإن قلت: الله تعالى هو الْمفْتدى منه، لأنه الآمر بالذبح، فكيف يكون
فاديا حتى قال: (وفَدَيناه) ؟
والجواب الفادي هو إبراهيم عليه السلام، والله عزّ وجل وهب له الكبْش
ليفتدي به، وإنما قال: وفَدَيْناه - إسناداً للفداء إلى السبب الذي هو الْمُمَكَّن من الفداء بهبته.
فإن قلت: لم يشاوره في أَمْر هو حَتم من الله؟