(فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) .
قد قدمنا في حرف التاء اختلاف الأوزار، ومتى يكون ذلك، وانتصب
المنّ والفِدَاء على المصدرية، والعامل فيهما فعلان مضمران.
ومعنى الْمَنّ العتق.
والفداء: فك الأسير بمال.
وأمر الله في هذه الآية بوثاق الأسير حتى يفدى أو يُمنّ عليه، والإمامُ مُخَيَّر في ذلك أو القتل، والاسترقاق، وضَرْب الجزية.
وقيل: لا يجوز المن ولا الفداء، لأن الآية منسوخة بقوله: (فاقْتُلوا المشركين حيثُ وجدتموهم) .
فلا يجوز على هذا إلاَّ قتلهم.
والصحيح أنها محكمة.
(فقد جاء أشْرَاطُها) :
يعني علامات الساعة، والذي جاء من ذلك مبعثه - صلى الله عليه وسلم -، لقوله: أنا من أشراط الساعة، وبعثت أنا والساعة كهاتين.
وقد أخبرنا أنَّ لها دلائل، منها ظهور الفتَن وكثرة المعاصي، والحرص في
الدنيا، والتنافس عليها، وتوسيد الأمر لغير أهله، فحينئذ يظهر الدجال.
ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، وتفصيل هذا كلّه يحتاج لطول نفس، لكنّهم اختلفوا في أول الآيات ظهوراً، وذلك يتوقف على صحة نَقْلٍ.
وظهور المهدي والدجال بعده، وعيسى بعده، ويعلم الله ما بعد ذلك.
والصحيح أنها كالخرز إذا ظهرت واحدةٌ تبعتها أختها.
(فأوْلَى لهم) :
في معناه قولان:
أحدهما أنه بمعنى أحق، وخَبَره على هذا (طاعةٌ) .
والمعنى أن القول المعروف والطاعة أولى لهم وأحق.
والآخر أنَّ أولى لهم كلمة معناها التهديد والدعاء عليهم، كقولك: وَيْل لهم.
ومنه قولى (أوْلَى لك فأوْلى) ، فيوقف على أولى لهم على هذا القول، ويكون (طاعةٌ) ابداء كروم، تقديره طاعةٌ وقول معروف أمْثَل، والمطلوب منهم طاعة وقول معروف، أو قولهم لك يا محمد: طاعة وقول معروف بألسنتهم دون قُلوبهم.