وتسليةٌ لنبينا ومولانا محمد - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين لما كانوا يلْقَوْن من الأذَى من الكفار.
وإنما ذكره بلفظ مع التي تقتضي المقارنة ليدلَّ على قُرْب اليسر من العسر.
فإن قيل: ما وَجْه ارتباط هذا مع ما قبله؟
والجواب: لما عدّدَ عليه النعم تسليةً له وتأنيساً قَوِي رجاؤه بالنصر، كأنه
يقول له: إن الذي أنعم عليك بهذه النعم سينصرك ويظْهرك ويبدّل لك هذا
العسر يسراً قريباً، ولذلك كرَّر: (إنّ مع العسر يسراً) ، مبالغة.
قال - صلى الله عليه وسلم -: " لن يغلب عُسر يُسرين ".
وقد روى ذلك عمر، وابن مسعود، وتأويله أن العسر المذكور في هذه السورة واحد، لأن الألف واللام للعهد، كقولك: جاءني رجل فأكرمْتُ الرجل.
واليسر اثنان لتنكيره.
وقيل: إن اليسر الأول في الدنيا والثاني في الآخرة، وقد أكثر الناسُ في هذه الآية وألفُوا فيها تواليف منها كتاب: " الفَرَج بعد الشدة "، وجنة الرضا، وغيرهما مما يطول ذكر شيء منها.
وبالجملة فمَنْ تَذَكًر سَبْقَ نعمته عليه، وكثْرَة نعمه إليه، وعظيم ثوابه.
وصدْقَ وعْده، وسعةَ رحمته وسَبْقَها غَضبه - آثر له قوة رجائه فيه، وهان عليه ما يَلْقَاه في ضيقه، قال تعالى في بعض كتبه: يا مطرود، لا تبرح، ويا مَرْدُود لا تَيأْس، ويا مهجور لا تَقْلق، قد فتحنا لك البابَ وجعلناك من الأحباب، وهب أني طردْتُك عن بابي، وألزمْتك حِجابي فإلى بابِ مَنْ تلتجئ، وعلى أي جهة تقف، فكنْ معي كالصبي مع أمّه، كلما زجَرَتْه رجع إليها، وكلما طردته تمرًغ بين يديها، فلا يزال معها حتى تقبله، فانْقُل قدمَ الإقدام لبابي، واكشف رأْسَ الاستغفار ونادِ بلسان الحقْر والاضطرار: ربي مَسني الضرّ وأنْتَ أرْحَمُ الراحمين - يقع لك جواب: (فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) .
(فإذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) :
هو من النصَب بمعنى التَّعب.
والمعنى إذا فرغت من أمْرٍ فاجتهد في أمرٍ، ثم اختلف في تعيين الأمرين، فقيل: