فإن قلت: القاعدة أن يكون المبتدأ معلوماً وخَبَره مجهولاً، والبلد في هذه
الآية أصله قبل دخولِ الفِعْلِ عليه مبتدأ، لأنه نعتٌ لهذا، ونعت المبتدأ مبتدا، و (آمِنًا) خبره.
وفي قوله: اجعل هذا بلداً آمناً (هذا) مبتدأ، و (بلدا) خبره، و (آمِنًا)
نعت أو خبر بعد خبر، والقصة واحدةٌ.
وأجيب بأن الشيء في نفسه ليس هو كغيره معه، فهو معلوم من حيث
كونه، مجهول من حيث كونه بلدا آمنا، فالأول كما تقول: اجعل هذا الرجل صالحاً، دعَوْتَ له بالصلاح فقط، والثاني كقولك: اجعل هذا رجلاً صالحاً مع أنه رجل، لكنك دعوت له بتحصيل المجموع.
ورُدَّ بأنه يلزم عليه أن يجوز زيد زيد العاقل، فيخبر بزيد العاقل عن زيد نفسه، مع أنه لا يفيد شيئا، لأن الأول هو الثاني.
وأجيب إنما نظيره زيد القائم زيد العاقل، فيخبر بزيد مع غيره، أما إذا
أثبت بمجرد لفْظِ الأول فلا يجوز
فإن قلت: كيف يدعو الخليل بقوله: (واجْنبْنِي وبنِيَّ أنْ نَعْبدَ الأصنام) ، وقد علم أن عبادةَ الأصنام مستحيلة في حق النبي، فأحْرَى في حق الخليل؟
فالجواب دعا بهذا على وَجْهِ التذلّل والخضوع، وعادة الأنبياء صلوات اللَه
وسلامُه عليهم عدَم الانبساط مع الربوبية، لتمكَن الخوف من قلوبهم، وهذا فيه الاقتداءُ بغيره، ويؤخذ من هذه الآية أنه لا يدعو الشخص بالمستحيل عقلا، كقول الإنسان: رَبَ اجعَلْني في غير حَيِّز، أو غير ذلك من المستحيلات.
وقد ذكرها القَرَافي في قاعدة ما يجوز من الدعاء وقاعدة ما لا يجوز، حذفنا ذكرها للطول.
(قالوا يا أيّها الذي نُزِّلَ عليه الذِّكْر) ، يعني بزعمك ودَعْواك لا بإقرارنا.