للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَزْوَته تلك، ففضحهم اللهُ في هذه الآية، وأعلم رسوله - صلى الله عليه وسلم - بقولهم واغترارهم قبل رجوعهِ إليهم، فكان كما قال: (شَغَلَتْنَا أموالنا وأهلونا) الآية.

فإن قلت: لم أبرز الضمير في هذه الآية وحذَفه فيما بعدها؟

فالجواب أن المُخْبرَ عنهم من المخلَّفين طلبوا منه - صلى الله عليه وسلم - الاستغفارَ لهم لتخلّفهم عنه، وأفردوه بخطابهم، إذ ليس ذلك من مطلوبهم لغيره، فوردت العبارةُ عن ذلك بإفراد الخطاب، وأعْلَم اللَهُ نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - بنِفَاقهم وكَذِبهم في اعتذارهم بقوله: (يقولون بألْسِنَتهم ما ليس في قلوبهم) .

وأما الآية الثانية فليس قولهم: (ذَرُونا نتَبِعكم) ، خطاباً خاصا له - صلى الله عليه وسلم -، بل له وللمؤمنين، والسياقُ يفصح بذلك، وما أمر به عليه

السلام من مجاوبته في قوله لهم: (لن تتَّبعونا) ، فلم يُرِد هنا

إفراده عليه السلام بخطابهم له كما ورد في الأول، وجاء كل على ما يناسبه.

فإن قلت: إن خطابهم له خاصّ كالأول، ولكن خاطبوه مخاطبة التعظيم

بقولهم: (ذَرُونا نَتَّبعكم) ؟

قلت: وعلى فرض هذا فمراعاةُ الألفاظ في النظم أكِيدة جدًّا، وبها إحرازه.

وعلى هذا لا يُلائم هنا الخطاب كيفما هو إلا بصورة ما للجميع.

والله أعلم بالمراد.

(سَكرَة الموت) :

أي غصصه ومشقّاته.

وقد قدمنا الحديثَ أنه أشد من سبعين ضربة بالسيف، ولما حضرته الوفاةُ جعل يدَه - صلى الله عليه وسلم - في إناءَ ماءٍ ومسح بها وجهه وقال: لا إله إلا الله، إن للموت سكرات، اللهم الرفيق الأعلى.

ولما بلغ روحه سرته قال: يا جبريل، ما أشدَّ مرارةَ الموت، فولَّى جبريل وجهه، فقال: يا جبريل، أكرِهْتَ النظَرَ إلى وجهي، فقال: يا حبيبَ الله، ومَنْ يقدر أن ينظر إليك وأنتَ تُعالج الموت!

هذا نبيك المعصوم قاسى منه ما سمعت، ووعك وعك رجلين كما صح،

<<  <  ج: ص:  >  >>