الهالكين، وقد كانوا أشد منكم قوةً وأكثر جمعاً، وأخذ بعضُ الصوفية من هذا أنَّ مَنْ سافر للاعتبار في مخلوقاته ورؤية نباتِ الأرض وسَهْلها وجبالها وأنهارها فهو أَفضل من الإقامة، وكيف لا وقد قطع علائقَه بمعرفة عيوب نفسه بغربة ابتعاده، ألا ترى رفق الله بالمسافر، فرخص له القَصْر والجمع، والفِطْر في رمضان، ومزيد مدة مسح الخف، والتنفل راكباً، وترك الجمعة، وعدم قضاء المسافة لمضرات زوجة أخذه بالقرعة، واستجابة دعوته، وصحّ أنه ضيفُ الله ما لم يعصه، إلى غير ذلك من فوائد ذكرها أبو حامد في إحيائه.
فإن قلت: قد قال في الأنعام: (ثم انظروا) ، وعطف في غيرها بالفاء فما الفرق بينهما؟
فالجواب أنه لما كانت (ثم) للتراخي، فأمروا باستقراء الديار وتأمّل
الآثار، وفيها كثرة، فيقع ذلك سَيْرٌ بعد سيرٍ وزَمَان بعد زمان.
وقد قدمنا في حرف الفاء أن معنى (ثم انظروا) إباحة السّير للتجارة
وغيرها، فنبّه بـ (ثم) لتباعد ما بين الواجب والمباح.
وأما تحديد السياحة في الأرض بأربعة أشهر فهو الأجل الذي جعل الله
لأمنِهم.
واختلف في وقتها، فقيل هي شوّال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم.
لأن السورةَ نزلت حينئذ، وذلك عام تسْعَة.
وقيل: هي عيد الأضحى إلى تمام العشر من ربيع الآخر، لأنهم إنما علموا بذلك حينئذ، وذلكَ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث تلك السنة أبا بكر الصديق فحجَّ بالناس، ثم بعث بعده عليٌّ بن أبي طالب فقرأ بعده سورة براءة يوم عرفة.
وقيل يوم النحر.
(سيءَ بهم) :
أي أصابه سوء وضَجَر لما ظن أنهم من بني آدم وخاف عليهم من قومه.
(سِجِّيل) :
بالفارسية أوله حجارة وآخره طين، قاله مجاهد، يعني أنها كانت مثل الآجر المطبوخ.