وقد قيل عظم الله أمره بقوله:(وما أدْرَاك ما سجِّين) ، ثم فسره بقوله بأنه
كتاب مرقوم، أي مسطور بيِّن الكتابة، وهو كتابٌ جامع يكتب فيه أعمالُ
الشياطين والكفار والفجَّار، وهو مشتق من السجن بمعنى الحبس، لأنه سبب
الْحَبْس والتضييق في جهنم، أو لأنه مطروح في مكان والعذاب كالسجن، فقد رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الأرض السفلى.
وروي أنه في بئر هنالك.
وحكى كعب عن التوراة أنه في شجرة سوداء هنالك.
وحكى البِكالي بسند صحيح عن رجل كان بمكة انتهت حاله في العبادة إلى مقام عظيم، ويقصده أصحاب الأموال التي تركها التجار بمكة، ويسافرون، فاتفق أنَّ رجلاً ذا مال جليل أراد السفَر من مكة إلى أرض بعيدة فدلَّ على ذلك الرجل في أن يترك عنده وَدِيعة، ففعل، وسافر، وقدم على الرجل لما حضرته الوفاة فأوصى بكل ما كان عنده لأربابه من الودائع، فتوفي، فأخذ الناس ودائِعَهم سوى ذلك الرجل فإنه لم يوجد له ذِكر، فحار دليل الرجل، فدلَّ على رجل كبير القدر أنْ يخبره بقصته، قال: وكل من أخبره عن المتوفي بشيء كان خيراً، قال: فلما انتهيت إلى الثاني وأخبرته قال لي: يا بني، ما عندي ما أدلك عليه إلا أنك تأتي ليلةَ الجمعة لبئر زمزم آخر الليل وتنَادي فيه: يا فلان بن فلان، فإنْ أجابكَ سَلْه عن مالك فإنه يخبرك كيف اتفق فيه، فإن لم يجِبْك فافعل ذلك سبع ليال من ليالي الجمعة، فإن أجابك فحَسَن، وإلا فأخبرني.
ففعلت، ولم يجبني أحد، فأخبرت الرجلَ بذلك، فقال: يا بني، ما أرى
الرجل إلا من أهل النار، فتسافر إلى أرض حضرموت، وتأتي إلى بئر هنالك
يقال له بئر برهُوت، فتنادي فيه باسم الرجل ليلةَ الأربعاء، فإنه يجيبك ضرورةً فاسأله يخبرك.