وأصل استعمال هذا الطريق أن يكون المخاطب جاهلاً بالحكم.
وقد يخرج عن ذلك فينزل المعلوم منزلة الجهول لاعتبار مناسب، نحو: (وما محمدٌ إلا رسول) ، فإنه خطاب للصحابة، وهم لم يكونوا يجهلون
رسالةَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأنه نَزّل استعظامهم له عن الموت منزلةَ من يجهل رسالته، لأن كل رسول فلا بد من موته، فمن استبعد موته فكأنه استبعد رسالته.
الثاني: (إنما) الجمهور على أنها للحصر، فقيل بالمنطوق وقيل بالمفهوم.
وأنكر قوم إفادتها، منهم أبو حيان، واستدل مثبتوه بأمور:
منها: قوله تعالى: (إنما حَرَّمَ عليكم الميتةَ) ، بالنصب، فإن معناه: ما حرم عليكم إلا الميتة، لأنه المطابق في المعنى لقراءة الرفع فإنها للقصر، فكذا قراءة النصب.
والأصل استواء معنى القراءتين.
ومنها أن إن للإثبات وما للنفي، فلا بد أن يحصل القصر للجمع بين النفي
والإثبات، لكن تعقّب بأن " ما " زائدة كافة لا نافية.
ومنها أن (إن) للتأكيد و (ما) كذلك، فاجتمع تأكيدان، فأفاد الحصر، قاله السكاكي.
وتعقب بأنه لو كان اجتماع تأكيدين يفيد الحصر لأفاده نحو إن زيد القائم.
وأجيب بأن مراده لا يجتمع حرفا تأكيد متواليان إلا للحصر.
ومنها قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ) .
(قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ) .
(قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي) .
فإنه إنما تحصل مطابقة الجواب إذا كانت (إنما) للحصر ليكون
معناها لا آتيكم به، إنما يأتيكم به الله إنْ شاء.
ولا أعلمها إنما يعلمها الله.
وكذا قوله: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ) .
(مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) ... إلى قوله: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ) .
(وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ)