الجنة للساكن، فالملائكةُ خدّام يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم
ليحظَوْا بحظ الردّ، إنما علا قَدر الْمُقربين لما أطلق لهم من ديوان الخاص والعام، (ويستغفرون للذين آمَنوا) .
وإنْ فخرْتِ بالعرش والطائفين، فأين أنت من البيت والطائفين ما في زاوية
العَرْشِ حَجَر سوّد بالسؤدد أدرج في درجة درج الميثاق.
يوم السبت لما أهبط آدم بمنشور الولاية إلى الأرض مُهِّدت له دار المملكة قبل الوصول، وزينت حرمة الحرم للحرمة والإحرام باب الاستغاثة، وعرفات باب دخول المَسائل لنيل الوسائل، فلما ئني البيتُ أذِن الله لخليله عليه السلام بالأذان على صوْمعة أبي قبيس بتأذين، وأذّن قال: يا ربّ، وأين يبلغ أذاني، قيل: يا إبراهيم منك الأذان وعلينا البلاغ.
فلما دنا النداء من باطن الحجر أوقع من وقع له يوم: (ألستُ بربكم) بفيض
المبلّغ، فتزاحموا على باب الإجابة، شعارهم لبَّيْكَ اللهم لبَّيْكَ!
فإن قلت: كيف يصح أن يقال: (وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ) ؟
فالجواب أنَّ الرحمة والعلم هما اللذان وسعا كل شيء في المعنى، والأصل وسع
كلَّ شيء رحمتُك وعلمك، ولكن أزيلَ الكلام عن أصله بأن أسند الفعل إلى
صاحب الرحمة والعلم، وأخرجا منصوبين على التمييز، لا إغراق في وصفه
بالرحمة والعلم، كأنَّ ذاته رحمة و٣علم ويسعان كل شيء، وهذا نحو قولهم: تفقأت شحماً، وتصببت عَرقاً.
فإن قلت: قد ذكر الرحمة والعلم فوجب أنْ يكونَ ما بعد الفاء مشتملاً على
حديثهما جميعاً، وما ذكر إلا الغفران وَحْده؟
والجواب: فاغفر للذين علمْتَ منهم التوبة، واتباعَ سبيلك.
فإن قلت: ما الفائدة في استغفارهم لهم وهم تائِبون صالحون مَوعودون
بالمغفرة، واللَه لا يُخْلف الميعاد؟