وأشار بعضهم إلى ترجيح الحَذْفِ، واستدلّ عليه بأنَّ الله قدَّمه على الإثبات
حيث جمع بينهما.
ويجوز الحذف أيضاً مع عدم الفَصْل حيث الإسناد إلى ظاهره، فإن كان إلى
ضميره امتنع.
وحيث وقع ضميرٌ أو إشارة بين مبتدأ وخبر أحدهما مذَكَّر والآخر مؤنث، جاز في الضمير والإشارة التذكير والتأنيث، كقوله تعالى:
(هَذَا رَحْمَة مِنْ رَبي) ، فذكّر والخبر مؤنث لتقدم السَّدِّ وهو مذَكّر.
وقوله تعالى: (فذَانكَ بُرْهَانانِ مِنْ رَبِّكَ) .
ذكَّر والمشار إليه اليد والعصا، وهما مؤنثان لتذكير الخبر وهو برهانان.
وكلّ أسماء الأجناس يجوز فيها التذكير والتأنيث حَمْلاً على الجماعة، كقوله:
(أعْجازُ نخْلٍ خاويةٍ) ، و (أعجاز نَخْل منْقَعِر) ، (إنَّ البَقَرَ تشابَه علينا) .
وقرئ: تشابهت.
(السماءُ مُنْفَطِرٌ بهِ) ، (إذا السماءُ انفطرَتْ) .
وجعل منه بعضُهم: (جاءَتْها رِيح عاصِفٌ) .
(ولسليمان الريح عاصفةً) .
وقد سئل، ما الفرق بين قوله: (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ) .
وقوله: (فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ) ؟
وأجيب بأنّ ذلك لوجهين: لفظي، وهو كثرةُ حروف الفاصل في الثاني.
والحذف مع كثرة الحواجز أكثر.
ومعنويّ، وهو أن " مَنْ " في قوله: (مَنْ حقَّتْ) راجعة إلى الجماعة، وهي
مؤنثةٌ لفظاً، بدليل: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا) ، ثم قال: (ومنهم من حقَّتْ عليه الضلالة) : أي من تلك الأمم، ولو قال: ضلّت لتعيَّنتِ التاء، والكلامان واحد، وإذا كان معناهما واحداً كان إثبات التاءِ أحسن مِنْ تَرْكها، لأنها ثابتة فيما هو من معناه.