وجوابُه أنَّ معنى علم الله كذا وقع عِلْمُه في الزمن الماضي، ولا يلزم أنه لم
يكنْ قَبْل ذلك، فإن العلم في زمن ماض أعمّ من المستمر على الدوام قبل ذلك الزمن وبعده وغيره، ولهذا قال تعالى - حكاية عن إبراهيم: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) ، الآيات.
فأتى بالماضي في الخلق، لأنه مفروغ منه، وبالمضارع في الهداية والإطعام والإسقاء والشفاء، لأنها متكررةٌ متجددة تَقَعُ مرةً بعد أحْرى.
الثاني: مضمر الفعل فيما ذُكر كمظْهره، ولهذا قالوا: إنَّ سلام الخليل أبلغُ
من سلام الملائكة حيث: (قالوا سلاما قال سلام) ، فإن نصب
سلاماً إنما يكون على إرادة الفعل، أي سلَّمنا سلاماً.
وهذه العبارةُ مؤْذنة بحدوث التسليم منهم، إذ الفعلُ متأخرٌ عن وجود الفاعل، بخلاف سلام إبراهيم، فإنه مرتفع بالابتداء، فاقتضى الثبوتَ على الإطلاق، وهو أولى مما يعرض له الثبوت، فكأنه قَصد أن يحييهم بأحسن مما حيَّوه به.
الثالث: ما ذكرناه من دلالة الاسْم على الثبوت والفعل على التجدد
والحدوث هو المشهورُ عند أهلِ البيان، وقد أنكره أبو المطرف بن عميرة في
كتاب التمويهات على التبيان لابن الزَّمْلَكاني، وقال: إنه غريب لا مستَند له
فإنَّ الاسْمَ إنما يدل على معناه فقط، أما كونُه يثبت المعنى للشيء فلا، ثم أورد قوله تعالى: (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦) .
وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) .
وقال ابن المنير: طريقةُ العربية تلوين الكلام، ومجيء الفعلية تارة والاسمية
أخرى من غير تكلف لما ذكروه، وقد رأينا الجملةَ الفعلية تصدر من الأقوياء
الخلص اعتمادا على أن المقصود حاصل بدون التأكيد، نحو: (ربَّنَا آمَنَّا) ، ولا شيء بعد (آمَنَ الرسولُ) .
وقد جاء التأكيد في كلام المنافقين، فقالوا: (إنما نحنُ مُصْلِحون) .