وهذا لأنَّ الدَّجال غايتُه الإضلال، ونحن نصرفُ الناس عن الدنيا بألسنتنا ومقالنا، وندعوهم إليها بأفعالنا وأعمالنا، ولسانُ الحال أنطقُ من لسان المقال، وطباعُ النظر إلى المساعدة في الأعمال أميلُ منها إلى المتابعة في الأقوال، فما أفْسَدْنَا بأعمالنا أكثر مما أصلحنا بأقوالنا، إذ لا يستجرئ الجاهل إلا باستجرائنا، ولو اشتغلت بإصلاح نفسي كان أولى بها وأعظم من هذا، إنه يخيل لنا أنا خير من كثير من عباد الله، وهذا هو أعظم من كل ضلال.
فإن قلت: قد أخرج البزار عن عائشة، قالت: ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُفَسِّر شيئاً من القرآن إلا آياً بعد تعليمه إياهن من جبريل؟
والجواب: أن الصحيح عند ابن تيمية وغيره أنه - صلى الله عليه وسلم - بيّن لأصحابه جميعَ تفسير القرآن أو غالبه.
ويؤيد هذا ما أخرجه أحمد وابن ماجة، عن عمر - أنه قال: مِنْ آخر ما
أنزل الله آية الربا، وإن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قُبض قبل أنْ يفسرها.
دَلّ فَحْوى الكلام على أنه كان يفسر لهم كلّ ما أَنزل، وأنه إنما لم يفسر هذه الآية لسرعة مَوْته بعد نزولها، وإلا لم يكن للتخصيص بها وَجْه.
وقد أوَّل ابن جرير وغيره حديث عائشة أنه إشارات إلى آياب مشكلات
أشكلن عليه، فسأل الله عِلْمهن، فأنزله الله على لسان جبريل.
فإن قلت: قد صح أنَّ آخر آية نزلت: (يستفتونك قل الله يُفْتيكم في
الكَلاَلة) .
وآخر سورة نزلت: براءة.
وفي رواية: آخر آية نزلت: (واتَّقُوا يوماً تُرْجَعُون فيه إلى الله) .
وعاش - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول هذه الآية سبع ليال.
وفي رواية سعيد بن المسيب أنَّ أحدث القرآن عهداً بالعرش آية الدَّيْن، لأن الظاهر أنها نزلت دفعة واحدة كترتيبها في المصحف، ولأنها في قصة واحدة، فكيف يجمع بين هذه الأحاديث؟