وفي ذلك قوله: (والنَّجْمُ والشَّجَرُ يَسْجُدَان) ، فإن النجم يطلق على الكوكب، ويرشحه له ذكر الشمس والقمر، وعلى ما لا ساق له من
النبات، وهو المعنى البعيد له وهو المقصود في الآية.
ونقلتُ من خط شيخ الإسلام ابن حَجَر أن التّوْرِية في القرآن قوله تعالى:
(وما أرسلْنَاكَ إلاَّ كافةً للناس) ، فإن كافة بمعنى مانع، أي
يكفُّهم عن الكفر والمعصية والهاء للمبالغة، وهذا معنى بعيد، والمعنى القريب
المتبادر أن المراد جامعة، أي جميعاً، لكن منع مِنْ حمله على ذلك أن التأكيد
يتراخى عن المؤكد، فكما لا تقول رأيت جميعاً الناس لا تقول رأيت كافة
الناس.
ومنها الاستخدام، وهو والتورية أشرفُ أنواع البديع، وهما سيّان، بل فضَّله بعضهم عليها، وله فيه عبارتان:
إحداهما: أن ئؤتى بلفظ له معنيان فأكثر مراداً به أحد معانيه، ثم يؤتى
بضميره مرادآَ به المعنى الآخر، وهذه طريقة السكاكي وأتباعه.
والأخرى أن يؤتى بلفظ مشترك ثم بلفظين يُفهم من أحدهما أحد المعنيين.
ومن الآخر الآخر، وهذه طريقةُ بدر الدين بن مالك في المصباح، ومشى عليه ابن أبي الإصبع، ومثّل له بقوله تعالى: (للِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (٣٨) .
فلفظ كتاب يحتمل الأمَدَ المحتوم والكتاب المكتوب، فلفظُ
(أجل) يخدم المعنى الأول، " ويمحو " يخدم المعنى الثاني.
ومثّل غيره بقوله تعالى: (لا تقْرَبُوا الصلاةَ وأنتم سُكَارى) .
فالصلاةُ يُحتمل أن يراد بها فعلها وموضعها.
وقوله تعالى: (حتى تعلَمُوا ما تَقُولون) ، يخدم الأولى، و (إلاَّ عابِري سبيل)
يخدم الثاني.
قال: ولم يقع في القرآن على طريقة السكاكي.
قلت: وقد استخرجتُ بفكري آيات على طريقته: