الالتفات، وفيه نظر، لأنه إنما يكون منه إذا قصد الإخبارَ عن نفسه في كلا
الجملتين، وهنا ليس كذلك، لجواز أن يريد بقوله: (وإليه ترجعون)
المخاطبين لا نفْسه.
وأجيب بأنه لو كان المراد ذلك لما صح الاستفهام الإنكارى، لأن رجوع
العَبْد إلى مولاه ليس بمستلزم أن يُعيده غير ذلك الراجع، فالمعنى كيف لا أعبد من إليه رُجوعي، وإنما عدل عن "وإليه أرجع" إلى: (وإليه ترجعون) .
لأنه داخل فيهم، ومع ذلك أفاد فائدة حسنة، وهي تنبيههم على أنه مثلُهم في وجوب عبادة مَنْ إليه الرجوع.
ومن أمثلته أيضاً قوله: (وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٧١) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ) .
ومثاله من التكلم إلى الغَيْبَةِ - ووَجْهه أن يفهم السامع أن هذا غلَطَ المتكلم
وقَصْده من السامع حضر أو غاب، وأنه في كلامه ليس ممن يتلوّن ويتوجه
ويبدي في الغيبة خلافَ ما يبديه في الحضور - قوله تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) .
والأصل ليغفر لك.
(إنا أعطيناكَ الكوْثَر فصَل لربِّك)
والأصل لنا.
(أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) .
والأصل منا.
(إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) .
والأصل وبي، وعدل عنه لنُكتَتين:
إحداهما دفْعُ التهمة عن نفسه بالعصبية لها.
والأخرى تنبيههم على استحقاقه الاتّباع بما اتصف به من الصفات المذكورة والخصائص المتلوّة.
ومثاله من الخطاب إلى التكلم لم يقع في القرآن، ومثَّل له بعضهم بقوله:
(فاقْضِ ما أنْتَ قاض) .
ثم قال: (إنا آمنّا بربِّنا) .
وهذا المثال لا يصح، لأن شرط الالتفات أن يكون المراد به واحداً.
ومثاله من الخطاب إلى الغيبة: