فإن الأولى ختمت بقوله: (لعلكم تعقلون)
والثانية بقوله: (لعلكم تذكرون) ، والثالثة بقوله: (لعلكم تتّقون)
لأن الوصايا التي في الآية الأولى إنما يحمل على تركها عدم العقل الغالب على الهوى، لأن الإشراك بالله لعدم استعمال العقل الدال على توحيده وعظمته.
وكذلك عقوق الوالدين لا يقتضيه العقلُ لسبق إحسانها إلى الولد بكل طريق.
وكذلك قتل الأولاد من الإملاق مع وجود الرازق الحي الكريم، وكذلك إتيان الفواحش لا يقتضيه عقل.
وكذلك قتل النفس لغيظ أو غضب في القاتل، فحَسُنَ بعد ذلك يعقلون.
وأما الثانية، فلتعلقها بالحقوق المالية والقولية، فإن من علم أن له أيتاماً يخلفهم من بعده لا يليق به أن يعامل أيتام غيره إلا بما يجب أن يعامَل به أيتامه.
ومن يكيل أو يزن أو يشهد لغيره لو كان ذلك الأمر له لم يحب أن يكون فيه خيانة ولا بَخْس.
وكذا من وعد له وعد لم يحب أن يُخْلَف، ومن أحب ذلك عامل
الناس به ليعاملوه بمثله، فترك ذلك إنما يكون لغفلته عن تدبر ذلك وتأمله.
فلذلك ناسب الختم بقوله: لعلكم تذكرون.
وأما الثالثة فلأن ترك اتباع شرائع الله الدينية يؤدي إلى غضبه وإلى عقابه
فحسُنَ (لعلكم تتقون) ، أى عقاب الله بسببه.
ومن ذلك قوله تعالى في الأنعام أيضاً: (وهو الذي جعل لكم النّجومَ ... )
الآيات، فإنه ختم الأولى بقوله: (لقومٍ يعلمون) ، والثانية بقوله: (لقوم
يَفْقَهون) ، والثالثة بقوله: (لقوم يؤمنون) .
وذلك لأن حساب النجوم والاهتداء بها يختص بالعلماء من ذلك، فناسب ختمه بـ يعلمون.
وإنشاء الخلائق من نفس واحدة ونقلهم من صلب إلى رحم ثم إلى
الدنيا ثم إلى حياة وموت، والنظر في ذلك والفكر فيه أدق، فناسب ختمه
بـ يفقهون، لأن الفقه فهم الأشياء الدقيقة.
ولما ذكر ما أنعم به على عباده من سعة الأقوات والأرزاق والثمار وأنواع ذلك ناسب ختمه بالإيمان الداعي إلى شكره تعالى على نعمه.