والحكيم هو الذي يضع الشيء في محله.
وقد يخفى وجهُ الحكمة على بعض الضعفاء
في بعض الأفعال فيتوهَّمُ أنه خارجِ عنها، وليس كذلك، فكان في الوصف
بالحكيم احتراس حكيم حسن، وإنْ تغْفِرْ لهم مع استحقاقهم العذاب فلا يعترض عليك أحد في ذلك، والحكمةُ فما فعلته.
ونظير ذلك في سورة التوبة قوله: (أولئك سيرحَمُهمُ الله إنَّ الله عزيز
حكيم) .
وفي سورة الممتحنة: (واغفر لنَا رَبّنَا إنّك أنْتَ العزيزُ الحكيم) .
وفي النور: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (١٠) .
فإن باديَ الرأي يقتضي تواب رحيم، لأن الرحمة مناسبة للتوبة، لكن عبّر به إشارة إلى فائدة مشروعية اللعان وحكمته، وهي الستر عن هذه الفاحشة العظيمة.
ومن خفيِّ ذلك أيضاً قوله تعالى في سورة البقرة: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩) .
وفي آل عِمْران: (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩) .
فإن المتبادر إلى الذهن في آية البقرة الخَتْمُ بالقدرة، وفي آل عمران الختم بالعلم.
والجواب أن آية البقرة لما تضمنت الإخبار عن خلق الأرض وما فيها على
حسب حاجات أهلها ومنافعهم ومصالحهم، وخلق السماوات خلقاً مستوياً محكماً من غير تفاوت، والخالقُ على الوصف المذكور يجب أن يكون عالماً بما فعله كلياً وجزئياً، جملاً ومفصّلاً - ناسب ختمها بصفة العلم.
وآية آل عمران لما كانت في سياق الوعيد على موالاة الكفار، وكان التعبير بالعلم فيها كناية عن المجازاة بالثواب والعقاب ناسب ختمها بصفة القدرة.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤٤) .
فالختم بالحلم والمغفرة عقب