أفعال الخير مطلوبة، فنبه على أنه قد يعترِض على هذا المطلوب ما هو أجل منه، وهو الإصغاء إلى الوحي وتفهم ما يراد منه، والتشاغل بالحفظ قد يصدّ عن ذلك، فأمر بألا يُبادر إلى التحفظ، لأن تحفيظه مضمون على ربه، وليصغي إلى ما يرد عليه إلى أن يقضى، فيتّبع ما اشتمل عليه.
ثم لما انقضت الجملةُ المعترضة رجع الكلام إلى ما يتعلق بالإنسان المبدأ بذكره، ومن هو من جنسه، فقال: (كلا) . القيامة، ٢٠، وهي كلمة رَدعْ، كأنه قال: بل أنتم يا بني آدم لكونكم خلقتم من عَجَل تعجلون في كل شيء، ومن ثم تحبون العاجلة.
ومنها أن عادة القرآن إذا ذكر الكلام المشتمل على عمل العبد حيث يعرض
يوم القيامة أردفه بذكر الكتاب المشتمل على الأحكام الدينية في الدنيا التي تنشأ عنها المحاسبة عملاً وتركاً، كما قال في الكهف: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ) ... ، إلى أن قال: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) .
وقال في طه: (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (١٠٢) .
إلى أن قال: (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) .
ومنها أن أول سورة القيامة لما نزل إلى: (ولَوْ ألْقَى مَعَاذِيره) القيامة:
١٥، صادف أنه اعمط في تلك الحالة بادر إلى تحفظ الذي نزل، وتحرك به لسانه من عجلته خشيةً من تفلته، فنزل: لا تحرك به لسانك ...
إلى قوله: ثم إن علينا بيانه، ثم عاد الكلام إلى تكملة ما ابتدىء به.
قال الفخر الرازي: ونحوه ما لو ألقى المدرس على الطالب مسألة فتشاغل
الطالب بشيء عرض له، فقال له: ألق إليّ بالك، وتفهم ما أقول.
ثم كمل المسألة، فمن لا يعرف السبب يقول: ليس هذا الكلام مناسباً للمسألة بخلاف مَنْ عرف ذلك.
ومنها أن " النفس" لما تقدم ذكرها في أول السورة عدل إلى ذكر نفس