ذلك بقوله: الذين أنعمت عليهم.
والمراد المؤمنون، ولذلك أطلق الإنعام ولم يقيده ليتناول كلَّ إنعام، لأنَّ مَنْ أنعم الله عليه بنعمة الإيمان فقد أنعم عليه بكل نعمة، لأنها مسببة لجميع النعم، ثم وصفهم بقوله: غير المغضوب عليهم ولا الضالِّين.
يعني أنهم جعوا بين النعم المطلقة - وهي نعمة الإيمان - وبين السلامة من
غضب الله والضلال المتسبّبَيْن عن معاصيه وتعدي حدوده، وكالدعاء الذي
اشتملت عليه الآيتان من آخر سورة البقرة، وكالوصايا التي
ختمتنها سورة آل عمران، والفرائض التي ختمت بها سورة النساء، وحَسُنَ
الخَتْم بها لما فيها من أحكام الموت الذي هو آخر كل امرئ حي، والآخر ما
نزل من الأحكام وكالتبجيل والتعظيم الذقي خُتِمَتْ به المائدة.
وكالوعد والوعيد الذي ختمت به الأنعام.
وكالتحريض على العبادة بوصف حال الملائكة الذي ختمت به الأعراف.
وكالحض على الجهاد وصلة الأرحام الذي ختمت به الأنفال.
وكوصف الرسول ومدحه والتهليل الذي ختمت به براءة.
وتسليته عليه السلام التي ختم بها سورة يونس.
ومثلها خاتمة هود.
ووصف القرآن ومدحه الذي ختم به يوسف.
والرد على من كذّب يوسف والرد على من كذب الرسول الذي ختم به الرعد.
ومن أوضح ما آذن بالختام خاتمة إبراهيم: (هذا بلاغ للناس) .
ومثلها خاتمة الأحقاف، وكذلك خاتمة الحجر: (واعْبُدْ رَبَّكَ حتى يَأتيكَ
اليَقين) ، وهو مُفَسّر بالموت، وهو في غاية البراعة.
وانظر إلى سورة الزّلْزَلة كيف بدئت بأحوال القيامة، وختمت بقوله:
(فَمَنْ يعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْراً يرَه) .
وانظر إلى براعة آخر آية نزلت، وهي قوله: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) ، وما فيه من الإشعار بالآخرية المستلزمة للوفاة.
وكذا آخر سورة نزلت، وهي سورة النَّصْرِ، فيها الإشعار بالوفاة، كما قال ابن عباس، كأنه قال له: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) .
فذلك علامة أجَلك.
(فسبِّحْ بحمده رَبِّكَ واستَغْفِرْه إنه كان تواباً) ، ووافقه عمر على ذلك.