أخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جُبير عن ابن عباس، قال: أعطي
موسى التوراة في سبعة ألواح من زَبرْجد، فيها تِبْيان لكل شيء وموعظة، فلما جاء بها ورأى بني إسرائيل عكوفا على عبادة العِجْل رمى بالتوراة من يده فتحطمت، فرفع الله منها ستةَ أسباع وأبقى سبعاً.
وأخرج من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده - رفعه، قال: الألواحُ التي أنزلت على موسى كانت من سِدْر الجنة، كان طول اللوح اثني عشر ذراعاً.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ثابت بن الحجاج، قال: جاءتهم التوراة جملة واحدة
فكبُر عليهم فأبوا أن يأخذوه حتى ظلل الله عليهم الجبل، فأخذوه عن ذلك.
فهذه آثار صحيحة في إنزال التوراة جملة، يؤخذ من الأثر الأخير منها
حكمةٌ أخرى لإنزال القرآن مفرّقاً، فإنه أدْعى إلى قبوله إذا نزل على التدريج، بخلاف ما لو نزل جملة واحدة، فإنه كان ينفر من قبوله كثير من الناس، لكثرة ما فيه من الفرائض والمناهي.
ويوضّح ذلك ما أخرجه البخاري عن عائشة، قالت: إنما نزل أول ما نزل
منه سورةٌ من المفصّل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام.
ولو نزل أول شيء: " لا تشربوا الْخَمْرَ " - لقالوا: لا ندع
الخمر أبدا.
ولو نزل: " لا تَزْنوا " لقالوا لا نَدَع الزنى أبداً.
ثم رأيتُ هذه الحكمة مصرحا بها في الناسخ والمنسوخ لمكيّ.
وأخرج البيهقي في الشّعَب، من طريق أبي خَلَدة عن عمر، قال: تعلَّمُوا
القرآن خمس آيات خمس آيات، فإن جبريل كان ينزل بالقرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم - خمساً خمساً.
ومعناه - إن صح - إلقاؤه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا القَدْر حتى يحفظه، ثم يلقي إليه الباقي لا إنزاله خاصة بهذا القدر.
ويوضح ذلك ما أخرجه البيهقي أيضاً عن خالد بن دينار، قال، قال أبو
العالية: تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذه من جبريل خمساً خمساً.