أو بما يظهر من المناسبات، فإن كان الثاني فلن يعدم الفَطِن أن يستخرج من كل سورة معاني كثيرة يقتضي اشتقاقها اسماً لها، وهو تعبيد.
قال: وينبغي النظر في اختصاص كل سورة بما سُمِّيَتْ به.
ولا شكَّ أنَّ العرب ترَاعِي وكثير من المسميات أخْذَ أسمائها من نادر أو
مستغرب يكون في الشيء من خلق أو صفة تخصه أو يكون معها أحكم أو أكثر أو أسبق لإدراك الرأي للمسمى.
ويسمون الجملة من الكلام أو القصيدة الطويلة
بما هو أشهر فيها، وعلى ذلك جَرَتْ سور الكتاب العزيز كتسمية سورة البقرة بهذا الاسم لقرينة قصة البقرة المذكورة فيها، وعجيب الحكمة فيها.
وسميت سورة النساء بهذا الاسم لما تردَّد فيها شيء كثير من أحكام النساء.
وتسمية سورة الأنعام لما ورد فيها من تفصيل أحوالها، وإن كان قد ورد
لفظ الأنعام في غيرها، إلا أن التفصيل الوارد في قوله تعالى: (ومِنَ الأنْعَام
حَمُولَةً وفَرْشاً ... ) ، إلى قوله: (أمْ كنْتم شهَداءَ إذْ وَصّاكم اللة بهذا) .
لم يردْ في غيرها، كما ورد ذِكْر النساء في سور، إلا أن ما تكرر وبسط من أحكامهن لم يرد في غير سورة النساء، وكذا سورة
المائدة لم يرد ذكر المائدة في غيرها، فسميت بما يخصها.
فإن قيل: في سورة هود ذكر نوح وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى.
فلم خصَّتْ باسم هود وَحْدَه، مع أن قصة نوح فيها أوعب وأطول؟
قيل: تكررت هذه القصص في سورة الأعراف وسورة هود والشعراء بأوْعَب
مما ورد في غيرها، ولم يتكرر في واحدة من هذه السور اسم هود كتكرّره في
سورته، فإنه تكرر فيها في أربعة مواضع، والتكرار من أقْوَى الأسباب التي
ذكرنا.
فإن قيل: فقد تكرر اسم نوح فيها في ستّةِ مواضع.
قيل: لما أفْرِدت لذكر نوح وقصته مع قومه سورة بِرَأسِها فلم يقع فيها غير
ذلك، كانت أوْلى بأن تسمَّى باسمه من سورة تضمّنَتْ قصتَه وقصة غيره.