وقيل غير هذا من الجواب أعرضنا عنه لطوله.
وفي الآية إشارة إلى الرجوع إلى الله في رَفْعِ المحن والشدائد، ولذا طلب
موسى لغيره (جَذْوةً لعلهم يصطلون) ، فأوصله الله بالوادي القدس، وطلب الخَضر لغيره فأوصله الله لعَيْن الحياة، فلا تنس أيها الناظر في هذا الكتاب الدعاء لموصّله إليك من غير كلفة، ولك مثله، كما ورد في الحديث، وأسأله سبحانه أن يفرّج عنّا كربَ الآخرة، إذ لا يفرجها غيره سبحانه، وتأمل إلى نداء أيوب ربَّه بما يوافق حاله ويقتضيه مقامه وهو الرحمة، فاستجاب له ورحمه.
روي أن الله أنبع له عينا من ماء، وأمره بالشرب منها، فبرئ باطنه
واغتسل منها فبرئ ظاهِره، ورُدَّ إلى أكمل جماله، وأتي بأحسن الثياب.
وكانت امرأته غائبة عنه في بعض شأنها، فلم تره في موضعه الذي تركته فيه.
فجزعت وظنت أنه نقل منه، وجعلت تتولّه، فقال لها: ما شأنك أيتها المرأة
فهابته لحسْن هيئته وجمال منظره، وقالت: فقدتُ مريضاً كان لي هنا، ومعالِم المكان قد تغيرت، وتأملت إلى مقاله فعرفته، وقالت: أنت أيوب! قال: نعم، واعتنقها وبكى، ولم يفارقها حتى أراه الله جميع ماله حاضرا بين يديه بعدما فقده.
وروي أن امرأته ولدت بعْد ستة وعشرين ابنا، وإلى هذه الإشارة بقوله
تعالى: (وآتيْنَا أهْلَه ومثْلَهمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) .
وإنما وصف الرحمة بالعِنْدية في هذه الآية لأنه بالغ في التضرع والدعاء، فقابله سبحانه بالمبالغة، لأن لفظ " عندنا " حيث جاء يدل على أنه سبحانه يتولَّى ذلك من غير واسطة.
ولما بدأ القصة في (ص) بقوله تعالى: (واذكر عَبْدَنا) ، ختم
بقوله: (مِنَّا) ، ليكون آخر الآية مطابقاً لأول الآية.
(ما همْ بِسُكَارَى) :
نَفْيٌ لحقيقة السكر، وقرئ سَكْرى، والمعنى متفق.