للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا) .

فالأولى في الأمر الشرعي، والثانية في الأمر الكوني بمعنى القضاء والتقدير.

الثالث: لاختلافهما في جهتي الفعل، كقوله: (فَلَمْ تَقْتلوهم ولكنَّ اللهَ

قتَلَهم وما رَمَيْتَ إذ رميت ولكنَّ اللهَ رمى) .

فأضاف الفعل إليهم والرمي إليه - صلى الله عليه وسلم - على جهة الكسب والمباشرة، ونفاه عنهم وعنه باعتبار التأثير.

الرابع: لاختلافهما في الحقيقة والمجاز، كقوله: (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى) .

أي سكارى من الأهوال مجازاً، لَا منَ الشراب حقيقة.

الخامس: بوجهين واعتبارين، كقوله: (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢) .

مع قوله: (خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ) .

قال قطْرب: فبصرك اليوم، أي عِلْمك ومعرفتك بها قوية.

من قوله: بَصرَ بكذا أي علم، وليس المراد رؤية العين.

قال الفارسي: ويدل على ذلك قوله: (فكشَفْنَا عنكَ غطاءك) .

وكقوله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ) .

مع قوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) .

فقد يظنّ أن الوجل خلاف الطمأنينة.

وجوابه أن الطمأنينة تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد.

والوجل يكون عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدى فتوجل القلوب لذلك، وقد جمع بينهما في قوله: (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) .

وممّا استشكلوه قوله تعالى: (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (٥٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>