ومنها - وادعى أبو حيان أنه الصواب: أن نفي الأظلمية لا يستدعي نفي
الظالمية، لأن نفي المقيد لا يدل على نفي المطلق، وإذا لم يدل على نفي الظالمية لم يلزم التناقض، لأن فيها إثبات التسمية في الأظلمية، ثم لم يكن أحد وصف بذلك يزيد على الآخر، لأنهم يتساوون في الأظلمية، وصار المعنى لا أحد أظلم ممن افترى، وممن منع ونحوها، ولا إشكال في تساوي هؤلاء في الأظلمية، ولا يدل على أن أحد هؤلاء أظلم من الآخر، كما إذا قلت لا أحد أفقه منهم ... انتهى.
وحاصل الجواب أن نفي التفضيل لا يلزم منه نفي المساواة.
وقال بعض المتأخرين: هذا استفهام مقصود به التهويل والتفظيع من غير
قصد إثبات الأظلمية للمذكور حقيقة، ولا نفيها عن غيره.
وقال الخطابي: سمعت ابن أبي هريرة يحكي عن أبي العباس بن سريج، قال:
سأل رجل بعض العلماء عن قوله:(لا أقسم بهذا البلد) .
فأخبر أنه لا يقسم به، ثم أقسم به في قوله:(وهذا البلد الأمين) التين: ٣) ، فقال: أيّهما أحبّ إليك أجيبك ثم أقطعك، أو أقطعك ثم أجيبك، فقال: أقطعني ثم أجبْني.
فقال له: اعلم أن هذا القرآن نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحضرة رجال وبين ظهراني قوم، وكانوا أحرص الخلق على أن يجدوا فيه مَغْمَزا وعليه مطْعناً، فلو كان هذا عندهم مناقضة لتعلقوا به وأسرعوا بالرد عليه، ولكن القوم علموا وجهلت، فلم ينكروا منه ما أنكرت، ثم قال له: إن العرب قد تدخل لا في أثناء كلامها وتلغي معناها وأنشد فيه أبياتاً.
ومما استشكلوه أيضاً قوله تعالى في سورة سبحان:(وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (٨٣) .
وفي سورة فصلت:(وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (٥١) .
ومن لوازم الإياس نفي مطلق الدعاء، وأثبته في سورة فصلت.