وهو من نفسه ليس لمعبوده منه محبّة، ومحبة المؤمنين من الجانبين، لقوله: (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) .
والكافر أظهر المحبةَ لمعبوده بقربان نفسه، والمؤمن كتم في نفسه، بل
نهاه معبوده عن قَتْلها، قال تعالى: (ولا تَقْتلوا أنْفُسكم إنَّ اللهَ كان بِكُمْ
رَحيما) .
وكيف يقتل نفسه وهي ماله، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ) .
وأيضاً لو قتل المؤمن نفسه لأجل معبوده - لأن له عنده خطراً عظيما - قال
بعض العارفين رفع الله القسمة بينه وبين العارفين، فكان للعارف اثنان: المعرفة والشهادة، ذكرهما لنفسه في قوله تعالى: (شَهد الله) ... الآية.
وقوله: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ) ، ولله اثنان العزة والطاعة، قال تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) .
وقوله: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) .
فإن قلت: ما علامة حقيقة المحبة؟
فالجواب ما قاله بعض: ألاَّ ينظر إلى ما دونه، كما قال الأصمعي: كنْتُ
مارّاً في البادية، فاستقبلتني جارية كأنها علَم أو فلْقَة قَمَر، فنظرت إليها فقالت: لِمَ نَظَرْتَ إليّ، قلت: كلِّي بكلِّك مشغول فقالت: إنْ كان كما قلْت فكلِّي لكُلِّك مبذول، ولكن وراءك أحسن مني، فنظرت إلى خَلْفِي فلطمتني لطمة كادت تذْهب بصري، فقلت: ما هذا، قالت: ظننتُ أنك عارف، فلما نظرتَ إليّ رأيتك عاشقاً، والآن لست بعارف ولا عاشق، ثم ولَّتْ عني وهي تقول:
حبّك في القفار شدَّدني ... ثمرات من الحبّ أوّاه
خَوْف القطيعة أزعجني ... فآهٍ من الخوف ثم آه
وفي بعض الكتب: كذب من ادَّعى محبَّتي ثم يجد لذة الطعام والشراب.
كذب من ادعى محبَّتي فإذا جنَّ الليل نام عني.
كذب من ادَّعى محبتي ثم خطر بباله غيري.
وأعطاك اللَّهُ المال، وطلب منك القَرْض والصدقة، وطلب من
نفسك العبادة والمعونة لخلقه، قال تعالى: (وتَعَاوَنوا على البِرِّ والتقوى) .
(الْمصَّدّقين والْمصَّدِّقات) :
بتشديد الصاد، من الصدقة،