وقد كان الصحابة يتحاشون عن تفسير القرآن بالرأي، ويتوقّفون عن أشياء
لم يبلغهم فيها شيء من النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقد ظهر لي تفصيلٌ حسن أخذته مما رواه ابن جرير عن ابن عباس، موقوفاً من طريق، مرفوعاً من أخرى:
التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعرفه
أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله، فما كان عن
الصحابة مما هو من الوجهين الأولين فليس بمرفوع، لأنهم أخذوه من معرفتهم
بلسان العرب، وما كان من الوجه الثالث فهو مرفوع إذ لم يكونوا يقولون في القرآن بالرأي.
وأخرج ابن أبي حاتم وغيره من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله:
(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ) .
قال: المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله.
وأخرج ابن مردويه من طريق جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس -
مرفوعاً: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ.
قال: القرآن.
قال ابن عباس: يعني تفسيره فإنه قد قرأه البَرُّ والفاجر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن مرة، قال: ما مررت بآية لا أعرفها إلا
أحزنتْني، لأني سمعت الله يقول: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (٤٣) .
قال ابن عباس: الذي يقرأ القرآن ولا يحسن تفسيره كالأعرابي يهذّ الشِّعْرَ
هذًّا.
وأخرج أبو عبيد، عن الحسن، قال: ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم
فِيْمَ أنْزلت، وما أراد بها.
وأخرج ابن الأنباري عن أبي بكر الصديق، قال: لأنْ أعرب آية من القرآن
أحب إليّ من أن أحفظ آية.