حبس برسبغا هذا بحبس المرقب مدة، وكان معه في الحبس أيضاً الأمير برسباي الحاجب - المتقدم ذكره - حتى برز مرسوم المؤيد بقتله، وقدم البريدي عليه بذلك.
وقبل أن يعلموه بالخبر، قرأ نائب المرقب المرسوم، فغلط القارئ، وقال: برسباي - يعني برسباي الحاجب -؛ فدخل النائب إليه، وأعلمه؛ فقام من وقته برسباي المذكور وتوضأ، وصلى ركعتين على صفة عجيبة، بعد أن حل به من البلاء والجزع ما لا مزيد عليه، وأوصى، ثم قعد للقتل.
والعادة أن يعطى المرسوم في يد المقتول حتى يقرأه، ويقرأ عليه. فلما أخذ برسباي المرسوم؛ ليقرأه، وقد آيس عن روحه بعد أن قال: ما يحتاج قرأه، فقال له النائب: هذه العادة، ولا بد من ذلك، فتأمل المرسوم، فإذا فيه بقتل برسبغا الدوادار، صاحب الترجمة؛ فأخذ وقتل، ونجا برسباي، فكان برسباي كثيراً ما يحكي هذه الحكاية.
قلت: ينبغي أن تلحق هذه الحكاية بكتاب: الفرج بعد الشدة.
وكان قتل برسبغا المذكور بقلعة المرقب، قبيل سنة عشرين وثمانمائة تخميناً. وكان يميل إلى دين وخير، ويتفقه يسيراً، ويكتب كتابة هينة، وكان عفيفاً عن المنكرات، إلا أنه كان كثير الشرور والفتن، رحمه الله تعالى.