عليه؛ فقال لهم: أنا جئت إليكم غير محارب؛ فإن جاء أمر من السلطان بإمساكي؛ فأمسكوني، وأنا ضيف عندكم. فأخرجوا الإقامة له، وبات تلك الليلة وأصبح والأمراء معه، فجاء البريد من الكرك بإمساكه؛ فكتب الأمراء إلى السلطان الملك الناصر أحمد يسألونه فيه، وقالوا له: هذا مملوكك ومملوك والدك، وركن من أركان دولتك، وما له ذنب، واليوم يعيش وغداً يموت، ونسأل صدقات السلطان العفو عنه، وأن يكون أميراً بدمشق، فرد الجواب بإمساكه، فردوا الجواب بالسؤال فيه، فأبى ذلك، وقال: أمسكوه، وانهبوه، وخذوا أمواله لكم؛ وابعثوا إلي برأسه؛ فأبوا ذلك، وخلعوا طاعته، وشقوا العصا عليه، فلم يكن إلا مدة يسيرة، وقدم عليهم الأمير طقتمر الصلاحي من الديار المصرية مخبراً بأن الأمراء المصريين خلعوا الملك الناصر أحمد المذكور، وولوا السلطان الملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون؛ فاطمأنت نفوس الأمراء الشاميين.
ودام بيبرس هذا مقيماً بدمشق - بقصر الأمير تنكز بالمزة - إلى أن ورد مرسوم الملك الصالح له بنيابة طرابلس؛ فتوجه إليها، وأقام بها نحو الشهرين، وطلب إلى الديار المصرية، وولى عوضه طرابلس الأمير أرنبغا أمير جندار، ثم جهز بيبرس هذا بحصار الملك الناصر أحمد بالكرك؛ فحصره مدة، وبالغ فلم ينل منه قصداً، وعاد إلى ديار مصر، وأقام بها إلى أن مات في أوائل سنة ست وأربعين وسبعمائة. وهو في عشر الثمانين.