واختلفت الأقاويل في موته، فمنهم من يقول أن ابن قرايلك قتله تقرباً لخاطر الملك الأشرف برسباى، وهو بعيد، ومنهم من يقول أنه مات بالطاعون، فلما رأى ابن قرايلك أنه قد فرط فيه الفرط بالموت قطع رأسه وبعث به إلى الأشرف، وهذا هو الأقرب. المتداول بين الناس، والله أعلم.
وكان جانبك الصوفي أميراً جليلا
ً، معظماً في الدول، طوالا، جميلاً، مليح الشكل، إلا أنه كان قليل السعادة إلى الغاية، حبس بثغر الإسكندرية غير مرة، حتى أن مجموع أيام إمارته لو حصرت كانت نحو ثلاث سنين لا غير، وباقي عمره كان في الحبوس أو مشتتا في البلاد، وطال خموله في الدولة الأشرفية لما كان مختفياً، وقاسى خطوب الدهر ألواناً، ورأى الأهوال.
أخبرني من أثق بقوله من أصحابه بعد موت الملك الأشرف: أنه كبس عليه مرة وهو في دار فنام تحت حصيرة في البيت المذكور فاختفى عنهم، وكبس عليه مرة أخرى وهو بدار في الحسينية فاختفى بمكان غير بعيد عن أعين الناس، وستره الله فيهما، ونجاه من القبض.
وحدثني صاحبنا يشبك الظاهري أن ركب مرة من داره بعد صلاة الصبح وقصد الفضاء، فلما كان عند باب النصر صدفه وقد أسفر النهار، فأردا أن ينزل عن فرسه إجلالاله فمنعه جانبك الصوفي من ذلك، وسار يتحادثان وجانبك غير خائف من يشبك لما كان بينهما من الصحبة قديماً، فكان من جملة كلام يشبك له: يا خوند تمشى في هذا الوقت وأنت تعلم من خلفك؟ وما الناس فيه