وهذا آخر عهده بوظيفة الخاص؛ فلم تطل مدته في الأستادارية، وعزل، وصودر، هو وولده صلاح الدين محمد، وأخذ منهما نحو الخمسين ألف دينار، ورسم لهما بلزوم دورهما، فدام الصاحب بدر الدين مدة طويلة بطَّالاً إلى أن ولي الأستادارية ثالثاً؛ فلم ينتج أمره فيها وعزل بعد أيام.
واستمر بطالاً سنين إلى أن ولي كتابة السر بالديار المصرية، عوضاً عن ولده صلاح الدين محمد، بعد وفاته في ليلة الأربعاء خامس ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة؛ فباشر وظيفة كتابة السر مدة يسيرة، وتسلطن الملك الظاهر جقمق.
وقدم القاضي كمال الدين محمد بن البارزي من دمشق، وتولى وظيفته - كما كان أولاً - وعزل صاحب الترجمة، ولزم داره من ثم إلى أن توفي بالقاهرة في جمادى الأولى سنة ست وأربعين وثمانمائة.
وكان شيخاً طوالاً، ضخماً، حسن الشكل، مدور اللحية كريماً، واسع النفس في الطعام، تأصل في الرئاسة، وطالت أيامه، وصار هو وولده صلاح الدين محمد من أعيان رؤساء الديار المصرية.
وكان له رواتب، وإنعام على خلائق كثيرة جداً، على أنه كان لا يسلم في كل قليل أيام مباشرته من مصادرة. ولو صفا له الوقت كما وقع لغيره من بعده؛ لكان له وللإنعام شأن، إلا أنه كان له بادرة، وخلق سيء مع حدة، وصياح في كلامه.