ورسم السلطان بنفيه إلى القدس بطالاً، وأنعم بإقطاعه على الأمير ألطنبغا اللفاف، فتوجه إلى القدس وأقام به مدة، ثم طلب إلى الديار المصرية فقدمها في سنة ثلاث وأربعين، ودام بها إلى أن مات في ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، بعد قدومه إلى القاهرة بمدة يسيرة.
وكان ديناً، خيراً عفيفاً، فقيهاً بالنسبة إلى أبناء جنسه، يكثر من طلب العلم ويجتهد في ذلك إلى الغاية، وكان تصوره غير صحيح، فهمه غير مستقيم، قل أن يجلس بمكان ولا يبحث فيه مع أحد، وكان عنده نشوفة وظن بنفسه، ولهذا المقتضى سمي بالمغربي. ولما ولي الحجوبية سار في أحكامه سيرة جيدة، ولم يتناول من أحد ببابه ما يتناوله غيره من الحجاب، وكان لا يسمع رسالة مرسل، ولا يعتني بأحد من أصحابه في حكومة، وكان يقع له خطأ كثير في أحكامه، يتعمد ذلك، وهو إنه إذا دخل إليه رجل من وجوه الناس وله خصم من أطراف الناس، والحق ظاهر للرجل الرئيس بين، فيجتهد سودون المغربي هذا في أن ينفع الوضيع ويميل إليه ميلاً زائداً، بحيث يظهر ذلك منه لكل أحد، ويحكم على غالب ظنه بأن القوي يجور على الضعيف ولا يتصور غير ذلك.
وكان يتقشف في ملبسه ومركبه، ويسير في ذلك على قاعدة السلف من القرانيص، فكان يلف على رأسه شاشاً كبيراً، كيف ما كانت اللفة تكون، ويجنب خلفه فرس بعباءة اصطبلي، وتارة من غير سرج يكون جنبيه. وكان كثيراً ما أتى على هذه الهيئة، فكنت لما أنظر إلى جنيبه خلفه، يقول لي: المقصود الجنيب لا القماش المزوق، وأن الجنيب خلف الأمير معناه إذا عجز